لوجوب الحج على المرأة. قال ابن رشد: اختلفوا هل من شروط وجوب الحج على المرأة أن يكون معها زوج أو محرم منها؟ فقال مالك والشافعي: ليس من شرط الوجوب ذلك، وتخرج المرأة إلى الحج إذا وجدت رفقة مأمونة. وقال أبو حنيفة وأحمد وجماعة: وجود ذي المحرم ومطاوعته لها شرط في الوجوب، وسبب الخلاف معارضة الأمر بالحج للنهي عن سفر المرأة إلا مع ذي محرم، فمن غلب عموم الأمر قال: تسافر للحج وإن لم يكن معها ذو محرم، ومن خصص العموم بأحاديث النهي ورأى أنه من باب تفسير الاستطاعة قال: لا تسافر إلا مع ذي محرم - انتهى. وقال ابن دقيق العيد: هذه المسألة تتعلق بالنصين إذا تعارضا وكان كل واحد منهما عامًا من وجه خاصًا من وجه، بيانه أن قوله تعالى:{وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ}(٣: ٩١) الآية. عام في الرجال والنساء فمقتضاه أن الاستطاعة على السفر إذا وجدت وجب الحج على الجميع، وقوله - صلى الله عليه وسلم - ((لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم)) خاص بالنساء، عام في كل سفر فيدخل فيه الحج، فمن أخرجه عنه خص الحديث بعموم الآية، ومن أدخله فيه خص الآية بعموم الحديث فيحتاج إلى الترجيح من خارج - انتهى. قال الشوكاني: ويمكن أن يقال إن أحاديث النهي عن السفر من غير محرم لا تعارض الآية لأنها تضمنت أن المحرم في حق المرأة من جملة الاستطاعة على السفر التي أطلقها القرآن وليس فيها إثبات أمر غير الاستطاعة المشروطة حتى تكون من تعارض العمومين. لا يقال: الاستطاعة المذكورة قد بينت بالزاد والراحلة كما سيأتي، لأنا نقول: قد تضمنت أحاديث النهي زيادة على ذلك البيان باعتبار النساء غير منافية فيتعين قبولها على أن التصريح باشتراط المحرم في سفر الحج بخصوصه كما في حديث ابن عباس عند البزار والدارقطني وحديث أبي أمامة عند الطبراني مبطل لدعوى التعارض - انتهى. وقال النووي: أجمعت الأمة على أن المرأة يلزمها حجة الإسلام إذا استطاعت لعموم قوله تعالى: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} واستطاعتها كاستطاعة الرجل، لكن اختلفوا في اشتراط المحرم لها، فأبو حنيفة يشترطه لوجوب الحج عليها إلا أن يكون بينها وبين مكة دون ثلاث مراحل، ووافقه جماعة من أصحاب الحديث وأصحاب الرأي وحكي ذلك عن الحسن البصري والنخعي، وقال عطاء وسعيد بن جبير، وابن سيرين ومالك والأوزاعي والشافعي في المشهور عنه: لا يشترط المحرم بل يشترط الأمن على نفسها. قال أصحابنا: يحصل الأمن بزوج أو محرم أو نسوة ثقات ولا يلزمها الحج عندنا إلا بأحد هذه الأشياء، فلو وجدت امرأة واحدة ثقة لم يلزمها لكن يجوز لها الحج معها هذا هو الصحيح. وقال بعض أصحابنا: يلزمها بوجود نسوة أو امرأة واحدة، وقد يكثر الأمن ولا تحتاج إلى أحد بل تسير وحدها في جملة القافلة وتكون آمنة، والمشهور من نصوص الشافعي وجماهير أصحابه هو الأول، واختلف أصحابنا في خروجها لحج التطوع وسفر الزيارة والتجارة ونحو ذلك من الأسفار التي ليست واجبة فقال بعضهم: يجوز لها الخروج فيها مع نسوة ثقات كحجة الإسلام. وقال الجمهور: لا يجوز إلا مع زوج أو محرم وهذا هو الصحيح للأحاديث