وقال مالك: لا حج عليه إلا أن يستطيع بنفسه لأنه تعالى قال: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً}(- ٣: ٩١) وهذا غير مستطيع، ولنا حديث أبي رزين وحديث ابن عباس في المرأة الخثعمية. وسئل علي رضي الله عنه عن شيخ لا يجد الاستطاعة قال: يجهز عنه - انتهى. وقال الخطابي: استدل الشافعي بخبر الخثعمية على وجوب الحج على المعضوب الزمن إذا وجد من يبذل له طاعته من ولده وولد ولده. ووجه ما استدل به من هذا الحديث أنها ذكرت وجوب فرض الحج على أبيها في حال الزمانة ولا بد من تعلق وجوبه بأحد أمور إما بمال أو بقوة بدن أو وجود طاعة من ذي قوة، وقد علمنا عجزه ببدنه ولم يجز للمال ذكر وإنما جرى الذكر لطاعتها وبذلها نفسها عنه فدل على أن الوجوب تعلق به، ومعلوم في اللسان أن يقال: فلان مستطيع لأن يبني داره إذا كان يجد من يطيعه في ابتنائها كما إذا وجد مالاً ينفقه في بنائها وكما لو قدر عليه بنفسه - انتهى. قال صاحب القرى: ولقائل أن يقول: استفسارها عن جواز الحج عنه وقع بعد إخبارها بإدراك الفرض له، فدل على تعلق الوجوب بأمر آخر غير الطواعية، فإن من لم يعلم جواز حجه عن أبيه لا يعلم وجوب الحج على أبيه بطواعيته وهذا ظاهر لمن تأمله، وليس ذلك الأمر الآخر إلا المال لتعذر القسمين الآخرين، أما الطواعية فلما ذكرناه، وأما القوة في البدن فلإخبارها أن الفرض أدركه وهو بحالة العجز، هذا هو الظاهر ولا وجه لصرف اللفظ عن ظاهره، وتكون هي قد علمت أن الاستطاعة بالمال كالاستطاعة بالبدن. وعلى هذا يكون الحديث حجة على وجوب الحج على المعضوب بسبب الاستطاعة بالمال أو بطواعية الولد قياسًا عليه، وأما غير الولد فيمكن إلحاقه به لوجود مطلق الاستطاعة - انتهى. وقال الحافظ: استدل بالحديث على أن الاستطاعة تكون بالغير كما تكون بالنفس، وعكس بعض المالكية فقال: من لم يستطع بنفسه لم يلاقه الوجوب قلت: فسر المالكية الاستطاعة بإمكان الوصول إلى البيت من غير خروج عن عادة خلافًا للأئمة الثلاثة فإنهم فسروها بالزاد والراحلة كما سيأتي. قال ابن التين: الاستطاعة أن يقدر على الوصول إلى البيت من غير خروج عن عادة، فمن كان عادته السفر ماشيًا، أي وأمكن وصوله ماشيًا لزمه أن يمشي وإن لم يجد راحلة، ومن كان عادته تكفف الناس وأمكنه التوصل به لزمه وإن لم يجد زادًا، ومن كان عادته الركوب والغناء عن الناس لم يلزمه الحج إلا بوجدان ذلك، وصرح الدردير أنه يجب الحج على الأعمى القادر على المشي بقائد ولو بأجرة. وقال عياض: الاستطاعة عند مالك هي القدرة ولو على رجليه دون مشقة فادحة. وقال الأكثر: هي الزاد والراحلة، وجاء فيه حديث وتأويله عندنا أنه أحد أنواع الاستطاعة لا كلها وما وقع من الاختلاف في نقل مذهب أبي حنيفة بين ابن قدامة وابن رشد فهو مبني على اختلاف الروايات عنه كما سيأتي. قال القاري في شرح اللباب في شرائط وجوب الأداء: الأول منها سلامة البدن عن الأمراض والعلل. فقيل: الصحيح أنه شرط الوجوب فحسب على ما في النهاية. وقال في البحر: هو المذهب الصحيح. وقيل: إنه من شرط