ذلك كان البيت المالك يعمل على تيسير الاتصال بالأقطار المجاورة ويشجع هذا الاتصال؛ كما أن الحاجة الملحة إلى بعض المواد الخام كانت تضطر فئات خاصة من السكان إلى القيام بدور الوسيط التجاري بين البيت المالك وبين الأقطار المجاورة لمصر؛ وخاصة في الجنوب، ومن أمثلة ذلك أمراء اليفانتين الذين قاموا برحلات محفوفة بالمخاطر لكي يتبادلوا التجارة مع أهل البلاد الجنوبية، وليحصلوا للفراعنة على الحاصلات التي يرغبونها ويقدرونها، وكان من أثر هذا أن عظُم شأن هؤلاء الأمراء وأصبحوا يتمتعون بنفوذ كبير؛ فلم يخضعوا إلا للملك مباشرة، وكانوا يذهبون إلى منف للاستماع إلى أوامر الملك قبل القيام بأية رحلة أي أنهم كانوا يتلقون تعليماتهم منه مباشرة؛ كذلك كان أرز لبنان من العوامل التي شجعت المصريين على المخاطرة بالذهاب إلى شرق البحر المتوسط، وقد شجع هذا على غزو تلك الأقطار في الدولة الحديثة.
وإذا كنا قد ذكرنا بأن الاتصال لم يكن نشيطًا إلا بين الأقاليم المتجاورة وأن المصري لم يتصل بالأقطار الأجنبية إلا للحصول على سلعها المختلفة، أي أن هذا الاتصال حددته عوامل سياسية واقتصادية مختلفة؛ فإننا من جهة أخرى نرى بأن الاتصال بالرسائل والمكاتبات كان أكثر نشاطًا. ويبدو أنه لبعد المسافات وجدت طائفة من الرسل الذين كانوا في خدمة الخاصة من الشعب حيث يشير أحدهم في رده لأحد زملائه بأن غلامه لم يصل بعد، وتشير إحدى المكاتبات إلى أن الغلام اضطر لتخفيف حمله؛ فألقى ببعض الحاجيات أو تخلص منها أي أنه كان هناك اتصال ثابت مستمر ورسل منتظمون، ولا ندري هل كان هؤلاء الرسل