بين النائم واليقظان إذ أتاني جني فضربني برجله وقال: قم يا سواد بن قارب وافهم إن كنت تفهم, واعقل إن كنت تعقل، قد بعث رسول من لؤي بن غالب يدعو إلى الله وإلى عبادته, ثم أنشأ يقول:
عجبت للجن وتحساسها ... وشدها العيس بأحلاسها
تهوي إلى مكة تبغي الهدى ... ما خير الجن كأنجاسها
فارحل إلى الصفوة من هاشم ... واسم بغيتك إلى رأسها
ثم أتاني في ليلة ثانية وثالثة يقول لي مثل قوله الأول وينشدني أبياتًا، فوقع في نفسي حب الإسلام ورغبت فيه، فلما أصبحت شددت على راحلتي فركبتها وانطلقت متوجهًا إلى مكة فأخبرت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد هاجر إلى المدينة، فقدمت المدينة فسألت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فقيل لي: في المسجد، فعقلت ناقتي، فقال:"ادن" فلم يزل يدنيني حتى قمت بين يديه، فقال:"هات" فقصصت هذه القصة وأسلمت، ففرح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمقالتي وأصحابه، حتى رئي الفرح في وجوههم، قال: فوثب إليه عمر والتزمه وقال: لقد كنت أحب أن أسمع هذا الحديث منك, فأخبرني عن رئيك هل يأتيك اليوم? قال: أما منذ قرأت القرآن فلم يأتني، ونعم العوض كتاب الله، خرجه في فضائله.
ذكر كراماته ومكاشفاته:
عن عمر بن الحارث قال: بينا عمر يخطب يوم الجمعة إذ ترك الخطبة ونادى: يا سارية الجبل مرتين أو ثلاثًا، ثم أقبل على خطبته، فقال ناس من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم: إنه لمجنون، ترك خطبته ونادى: يا سارية الجبل، فدخل عليه عبد الرحمن بن عوف وكان يبسط عليه فقال: يا أمير المؤمنين, تجعل للناس عليك مقالًا، بينما أنت في خطبتك إذ ناديت: يا سارية الجبل أي شيء هذا? فقال: والله ما ملكت ذلك حين رأيت سارية وأصحابه يقاتلون عند جبل يؤتون منه من بين أيديهم ومن خلفهم