للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صغيرة لا تكاد تلفت الأنظار، فإن سنة ١٩٣٢ قد شهدت تجميع هذه الروافد في شكل تيار قوي واضح، قد أخذ مجراه في الحياة الأدبية من خلال مجلة "أبولو"، فقد كانت هذه المجلة فرصة لهؤلاء الشبان الابتداعيين العاطفيين لكي ينموا ويتضاعفوا ويشتدوا، ثم كانت سنة ١٩٣٤ بمثابة موسم الفيضان لهذا التيار الجديد، حيث ظهرت في هذا العام الدواوين الأولى لمعظم شعرائه الرواد، فقد ظهر لعلي محمود طه "الملاح التائه"، وظهر لإبراهيم ناجي، "من وراء الغمام"، وظهر لحسن كامل الصيرفي "الألحان الضائعة"، وظهر لصالح جودت ديوانه الأول الذي سماه باسمه، وكان ظهور هذه الدواوين الأولى في عام واحد أشبه بمظاهرة فنية تعلن استواء هذا الوليد الذي رأى النور سنة ١٩٢٧، ثم راح يدرج في رحاب "أبولو" سنة ١٩٣٢، ثم اكتمل فتيًّا سنة ١٩٣٤، فلفت أنظار النقاد الكبار من أمثال العقاد وطه حسين، فكتبوا عنه لأول مرة، وإن كانت كتابات العقاد، وطه حسين -في ذلك الحين- ليست في صالح هذا الاتجاه الجديد، لظروف كان أكثرها بعيدًا عن النقد والشعر كما سنرى فيما بعد١.

وإذا كنت لم أمل إلى تسمية هذا الاتجاه باسم "أبولو" لما أوضحت من أسباب، وآثرت تسميته باسم يحدد ابتداء طابعه الفني كما صنعت مع الاتجاهات السابقة، فإنني لا أميل كذلك إلى إطلاق اصطلاح "مدرسة" على هذا الاتجاه، وذلك؛ لأن المدرسة الأدبية تقوم أساسًا على دعائم فلسفية معينة، وتكون لها قيم فنية محددة؛ وذلك ما لا نجده -بدقة- في هذا الاتجاه الشعري؛ فهو لا يقوم على دعائم فلسفية تجعل لأصحابه فلسفة خاصة تغاير فلسفة الآخرين، وهو لا يلتزم قيمًا فنية صارمة تعزل شعراءه.


١ قسًا كل من العقاد وطه حسين في نقد بعض ما ظهر من دواوين، فكتب العقاد عن ديوان ناجي، وكتب طه حسين عن ديوان علي محمود طه، ثم عن ديوان ناجي، وكانت كل الكتابات عنيفة ومجرحة، ومشوبة باعتبارات سياسية وشخصية سوف تنضح في آخر هذا الفصل، وهي اعتبارات ليست غريبة على الطابع العام للفترة، وهو طابع الصراع الذي لعبت الحزبية فيه أهم الأدوار.

<<  <   >  >>