للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحرب أروح للنفو ... س من الحياد الكاذب١

ويقول في نفس السنة مخاطبًا "السير برسي لوين" المندوب السامي، وقتئذ:

ألم تخبر بني التاميز عنا ... وقد بعثوك مندوبًا أمينا

بأمنا قد لمسنا الغدر لمسا ... وأصبح ظننا فيكم يقينا

كشفنا عن نواياكم فلستم ... وقد برح الخفاء محايدينا

سنجمع أمرنا فترون منا ... لدى الجلي كرامًا صابرينا٢

ويصل حافظ إلى قمة التحدي حين يقول سنة ١٩٣٢، مخاطبًا الإنجليز:

حولوا النيل واحجبوا الضوء عنا ... واطمسوا النجم واحرمونا النسيما

واملأوا البحر إن أردتم سفينا ... واملأوا الجو إن أردتم رجومًا

إننا لن نحول عن عهد مصر ... أو ترونا في الترب عظمًا رميمًا٣

وواضح أن وطنية شوقي في هذه الفترة أصرح منها في الفترة السابقة، وخاصة فيما يتعلق بموقفه من الإنجليز، والسبب في هذه الصراحة، ما أفاده الرجل بعد عودته من المنفى من انعتاق من قيد القصر، هذا القيد الذي كان يفرض عليه -فيما سبق- أن يربط موقفه بموقف القصر إزاء الإنجليز، الأمر الذي ورطه أحيانًا في مهادنة المحتلين، بل أوقعه في مدحهم.

وواضح كذلك أن وطنية حافظ في هذه الفترة، وخاصة في أواخرها قد طرأ عليها شيء من الشجاعة، حتى لنراه يقول للإنجليز ما لم يقله منذ عين في دار الكتب، وحتى لنراه أيضًا يقول لبعض الحكام المستبدين ما لم يقله غيره من الشعراء، والسبب في ذلك أن الرجل كان قد اطمأن بعض الشيء بعد الاستقلال المقيد، وأمن في بعض الفترات أذى المحتلين، كما كان بعد ذلك قد أمضى مدة خدمته في دار الكتب، وأحيل إلى المعاش؛ فلم يعد قيد الوظيفة يعقل لسانه أو يهيض جناحه، ولذا هاجم الإنجليز، وطالب بالجلاء


١ ديوان حافظ جـ٢ ص١٠٩.
٢ ديوان حافظ جـ٢ ص١٠٦-١٠٧.
٣ ديوان حافظ جـ٢ ص١٠٨.

<<  <   >  >>