للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وليست القيمة أعم من الشاة بل هي قيمة لها فما لذكر الشاة فائدة؛ إذ لا تنبيه فيها بالأخص على الأعم؛ إذ لا أعم هنا كما بيناه، ولا هي نفس الواجب على ما زعمت الخصوم، ولكني لا أرتضي هذا كل الرضا.

وأقول: قد يقول الخصم: جاء ذكر الشاة من قبل مقابلته لمثله؛ فإنه لما كان الموجب فيه شياها حسن في اللسان أن يذكر لفظ المقابل بإزائه؛ ألا ترى أن أحدا لم يقل بأن القيمة لا تجزئ في الإبل والبقر وتجزئ في الغنم؛ بل إنها ما تجزئ في الكل فلم يكن لفظ الشاة واردا لتعينه فافهم ذلك فيه يضمحل التمثيل.

وأنا أرى أن نمثل لهذا بقوله صلى الله عليه وسلم "ذكاة الجنين ذكاة أمه" ١ فلقد اقتحم الخصوم فيه أمر عظيما وقدروا لفظ المثل فقالوا المعنى مثل ذكاة أمه وهذا التقدير مع كونه غير محتاج إليه لإمكان صحة الكلام دونه باطل لأنه عائد على الكلام بالإبطال وتصييره لغوا؛ فإن الجنين إن احتيج إلى ذكاته فذكاته كذكاة سائر الحيوانات -لا خصوصية لأمه- ثم إن كل عاقل يعرف أن ذكاته كذكاتها وذكاة غيرها بلا تفاوت فلا يكون اللفظ مقيدا، البتة.

ونظيره تقدير بعض المالكية "من صام رمضان وأتبعه بست من شوال"٢، أن المعنى بست من الفطر إلى أيام الفطر؛ فلا فرق بين شوال وغيره ثم قال: ينبغي تفريقهما ولا يأتي بها متتابعة؛ فانظر كيف محقوا اللفظ محقا.

فصل:

ويجوز استنباط معنى يعمم، كمشوش الفكر من قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يقضي القاضي وهو غضبان" ٣؛ فلقد عممنا الغضب، ونقل القاضي أبو الطيب الإجماع على ذلك.

وخصصناه بالغضب إلا الله؛ إذ لا كراهة على ما ذكر الإمام البغوي فيما إذا كان الغضب لله، واستنباط معنى يعمم هو باب القياس.


١ أبو داود ٣/ ١٠٣ الأضاحي/ باب في المبالغة في الذبح "٢٨٢٦"، والحاكم في المستدرك ٤/ ١١٤ في كتاب الأطعمة باب ذكاة الجنين، وقال صحيح على شرط مسلم وأقره الذهبي.
٢ مسلم من حيث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه ٢/ ٨٢٢ في الصيام/ باب استحباب صوم ستة أيام من شوال "٢٠٤/ ١١٦٤".
٣ البخاري ١٣/ ١٣٦ في الأحكام/ باب هل يقضي القاضي ... حديث "٧١٥٨" ومسلم ٣/ ١٣٤٢-١٣٤٣ في الأقضية/ باب كراهية قضاء القاضي وهو غضبان "١٦/ ١٧١٧".