حلها له حتى تنكح زوجا غيره، فقال سبحانه:{فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} . فدل على أن الطلاق في المرة الثالثة تبين به المطلقة، وتحرم به على مطلقها حرمة مؤقتة.
فكل طلاق من الزوج يكون رجعيا إلا في هذه الحالات الثلاث فإنه يكون بائنا. وكل طلاق من القاضي بناء على طلب الزوجة يكون بائنا إلا في حالة واحدة وهي ما إذا كان سبب التطليق عدم الإنفاق فإنه يكون رجعيا، فلو أيسر الزوج واستعد للإنفاق فله مراجعتها ما دامت في العدة.
وهذا هو الجاري عليه العمل الآن بالمحاكم الشرعية المصرية وهو مذهب مالك والشافعي وهو الوارد في المادة ٥ من القانون رقم ٢٥ لسنة ١٩٢٩، ونصها "كل طلاق يقع رجعيا إلا المكمل للثلاث، والطلاق قبل الدخول، والطلاق على مال، وما نص على كونه بائنا في هذا القانون والقانون رقم ٢٥ لسنة ١٩٣٠".
وأما مذهب الحنفية الذي كان عليه العمل قبل هذا القانون فكل طلاق من الزوج يقع رجعيا إلا في سبع حالات: الطلاق قبل الدخول، والطلاق على مال، والطلاق المكمل للثلاث، والطلاق الموصوف بوصف يدل على البينونة مثل أنت طالق طلقة شديدة أو بائنة أو لا رجعة فيها، والطلاق المقرون بأفعل تفضيل يدل على البينونة مثل أنت طالق أشد الطلاق أو أكبره أو أسوأه، والطلاق المشبه بما يدل على البينونة مثل أنت طالق طلقة كالجبل أو كأشد ما يكون من الطلاق، والطلاق بلفظ من ألفاظ الكنايات إذا اقترنت به النية أو دلالة الحال مثل أنت بائن أو خلية أو برية أو بتة. ففي هذه الحالات السبع يكون الطلاق بائنا عند الحنفية، ودليلهم على وقوعه بائنا في الحالات الثلاث الأولى ما قدمناه من نصوص القرآن. ودليلهم على وقوعه بائنا في الحالات الأربع الباقية أن المطلق استعمل لإيقاع الطلاق صيغة لا تدل على الرجعي؛ لأن اللفظ الذي عبر به أو الوصف الذي وصف به أو التشبيه الذي شبه به ينافي الرجعي، وبما أن الطلاق يتنوع إلى رجعي وبائن وهو استعمل صيغة لا تحتمل الرجعي فيتعين البائن.
ولكن ما عليه العمل الآن هو الذي تدل عليه نصوص القرآن, والمطلق لا يملك تغيير المشروع. والمشروع هو الطلاق الرجعي إلا فيما استثنى، فكل لفظ أو وصف أو تشبيه يقصد به تغيير المشروع فهو لغو, وكأن الصيغة صدرت غير مقرونة به فيقع به الطلاق على ما شرع وهو الرجعي.