وكذلك (تحليل ما حرمه المهيمن) سبحانه وتعالى، (والعكس) وهو تحريم ما أحله الله عز وجل، هو (طغيان) أي مجاوزة للحد (وكفر بين) واضح، إذ (فاعله) أي: مرتكب التحليل والتحريم من دون الله عز وجل (مبدل) لدين الله (مشرع) من دونه سبحانه، لذلك فـ (الوقف فيه) أي: في حكم هذا المبدل (عندنا) معاشرَ أهل السنة أمر (مستشنع) جدا، لأنه إما جهل فظيع، أو تجاهل مقيت، أو ورع كاذب.
(كذا) من الكفر الأكبر المخرج من الملة (اتباع شرعة الكفار) والمقصود بذلك التحاكم – من غير ضرورة شرعية – إلى القوانين الشرعية الطاغوتية ولو لم يفصح عن رضاه بتلك القوانين (أو الرضا بها) أي: قبوله لتلك القوانين (بلا إنكار) منه، ولو لم يتحاكم إليها، فتأمل.
والحق أن هذه المسألة التي قد يصطلح البعض على تسميتها بتوحيد الحاكمية، هي من المسائل العظيمة التي عمت بها البلوى في هذا الزمان، فتصدى لبيانها وتحقيق الحق فيها، جهابذة العلماء العاملين، فأقاموا الحجة الناصعة على الناس أجمعين، وبلغوا أمانة العلم كما أخذ الله عليهم بذلك العهد والميثاق.
والمسألة طويلة الذيول متشعبة المباحث، والتفصيل فيها يحتاج إلى بسط كثير لا يحتمله هذا الموضع، لذلك سوف أكتفي هنا ببعض الإشارات التي تغني عن التطويل، فأقول: الكلام على هذه المسألة في مقامات ثلاثة:
أولها: التشريع من دون الله
ثانيها: الحكم بغير ما أنزل الله
ثالثها: التحاكم إلى غير شرع الله
- أولا: التشريع من دون الله:
سبق أن ذكرت في الباب الأول من هذا الفصل أن حق التشريع هو من أخص خصائص الربوبية وأنه نوع من أنواع التدبير الذي يدبر به الله عز وجل هذا الكون، كما قال تعالى:{أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} . لذلك فإن من نازع الله في شيء منه كان مشركا لأدلة كثيرة منها: