للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعن العبّاس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هل تدرون كم ما بين السماء والأرض؟ "، قلنا: الله ورسوله أعلم.

ــ

قوله: "لا يخفى عليه شيء من أعمالكم" أي: مع علوِّه على خلْقه لا يَتصوّر أحدٌ أنّه بعيدٌ عن عبادِه، بل له هذا العلوّ، ومع هذا لا يخفى عليه شيءٌ من أعمال بني آدم، فهو سبحانه وتعالى فوق العرْش وعلمُه في كلِّ مكان، لا يخفى عليه شيء: {إِنَّ اللهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ (٥) } ، {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٣) } ، {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} ، {مَعَكُمْ} أي: بعلمه سبحانه وتعالى وإحاطته، لا تخفون عليه، ولا تخفى عليه أعمالُكم خيرُها وشرُّها، وكلُّ ما يصدر من عباده فإنّه يعلمُه سبحانه وتعالى من الطّاعات والمعاصي والخير والشّرّ، كلّه يعلمه سبحانه وتعالى، لا يخفى عليه شيءٌ من أعمالهم: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (٦١) } .

فلا يتصوّر أحدٌ أنّ الله إذا كان في العلوّ أنّه يكون بعيداً عن عبادِه، وأنّه لا يعلم أعمالهم، فيتصوّر أنّ الخالق مثل المخلوق، إذا كان في مكان مرتفع فإنّه لا يعلم ما تحتَه، ولا يدري ما يحدُث بما تحته، هذا في حق المخلوق، أما الله جل وعلا فإنّه لا يخفى عليه شيء، والمخلوقات كلها على عظمها وسعتها ما هي بالنسبة إليه بشيء سبحانه وتعالى فهو محيطٌ بها، يعلمُها ويراها، ويسمع ما يحدُث فيها، ويرى ما يحدُث فيها، هو بكلِّ شيء عليم سبحانه. ولا يحدث فيها شيء إلاَّ بقضائه وقدره وأمره.

فهذا فيه: الجمع بين العلوّ والعلم والإحاطة.

"وعن العبّاس" عمّ النّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أتدرون كم بين السماء والأرْض؟ " هذا فيه: السؤال يراد به التعليم والإرشاد، وليس هو من السؤال الذي يطلُب السّائل من المسؤول أن يُخبره عن شيء لا يعلمُه، وإنّما هو من باب التقريب وإحضار الذّهن، لأنّ التعليم إذا جاء عن طريق السؤال والجواب كان أثبت.

<<  <  ج: ص:  >  >>