للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا حاصرت أهل حصن، فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله؛ فلا تنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك، فإنك لا تدري أتصيب فيهم حكم الله أم لا؟ " رواه مسلم.

ــ

وأغلب من يتحصّن بالقلاع هم أهل الكتاب وأهل المدن والحضر، أمّا البادية فإنّهم يكونون في الصحراء، ليس لهم قلاع ولا حصون.

والحصار معناه: تطويق الحُصون من كلِّ المنافذ، ومنعهم من الخروج والدخول، ووصول الأمداد إليهم. من الحصر وهو: الحبْس. وهذه خُطَّة من خطط الحرب.

"فأرادوك أن تجعل لهم ذِمّة الله وذِمّة نبيه" الذمّة: العهد.

"فلا تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه" هذا نهي عن ذلك؛ احتراماً لذمة الله وذمة نبيه من النقض وعدم الوفاء.

"فإنّكم أن تَخْفِرُوا ذممكم وذمة أصحابكم أهون من أن تَخْفروا ذمّة الله " "فإنكم أن تَخْفِرُوا" تنقضوا، الإخفار معناه: النّقص، والخفر معناه: الحماية. ولا يؤمن ممن أعطى ذمة أن ينقضها، فنقض ذمته أهون من نقض ذمة الله وذمة رسوله.

ثم قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تُنزلهم على حكم الله فلا تُنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك" يعني: على اجتهادك، تقول لهم: أنا أجتهد فيكم فرب الحكم الذي أرى أنّه حق وصواب، فإن وُفِّقت وأصبت فذلك من الله سبحانه وتعالى، وإنْ أخطأتُ فهذا من اجتهادي ولا يُنسب إلى الله سبحانه وتعالى.

وإذا حصل خطأ في اجتهاد البشر فإنه لا يُنسب إلى حكم الله سبحانه وتعالى.

ولهذا قال في ختام الحديث: "فإنك لا تدوي أتصيب فيهم حكم الله أم لا".

قال الفقهاء: هذا فيه دليل على الاجتهاد في الأحكام الفقهيّة.

وفيه: دليل على أنّ المصيب من المختلفِين واحد، فليس كلُّ مجتهد مصيباً، وإنّما المصيب يكون واحداً والبقيّة يكونون مخطئين.

فهذا فيه دليل على أنّ المفتي إذا أفتى بفتوى لا يقول: هذا حكم الله، وإنّما يقول: هذا اجتهادي الذي أراه، لأنّه لا يدري هل أصاب الحقّ أو لا، فلا ينسب إلى الله شيئاً لا يدري هل هو حقّ، أو خطأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>