والشّاهد من هذا الحديث: قولُه: "أخبرني عن الإيمان" وذكر في آخره: "وأن تؤمن بالقدَر خيرِه وشرَّه"، ذكر ستّة أركان للإيمان، وخمسة أركان للإسلام، وركناً واحداً للإحسان.
فأركان الإيمان: الإيمان بالله، وهو: التصديق الجازم بوحدانيّة الله سبحانه وتعالى، واستحقاقِه للعبادة وحدَه لا شريك له، وذلك يشمل أنواع التّوحيد الثلاثة: الإيمان بتوحيد الرّبوبيّة، والإيمان بتوحيد الأُلوهية، والإيمان بتوحيد الأسماء والصّفات.
فمن جحد نوعاً من هذه الأنواع لم يكن مؤمناً بالله عزّ وجلّ.
ويدخُل في ذلك: الإيمان بالقدَر، لأنّه من توحيد الرّبوبيّة، ومن أفعال الله سبحانه وتعالى، فهو داخلٌ في توحيد الرّبوبيّة، لكنه أفرده بالذكر تأكيداً له.
"وملائكته": تؤمن أنّ لله ملائكة، خلقهم سبحانه وتعالى من نور، خلقهم لعبادته: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ (٢٠) } ، ينفّذون أوامره سبحانه وتعالى في مُلكه، كلّ نوعٍ من الملائكة له عملٌ خاص في هذا الكون يأمر الله تعالى به، فمنهم من هو موكّل بالوحي، وهو جبريل عليه الصّلاة والسلام، ومنهم من هو موكّل بالقطر والنّبات، وهو ميكائيل، ومنهم من هو موكّل بالنفخ في الصّور، وهو إسرافيل، ومنهم من هو موكّل بالأجنّة في البُطون- بطون الأُمّهات-، وهو الملك الذي يأتي إلى الجنين في بطن أُمِّه حينما يكمل الشهر الرّابع فينفخ فيه الرّوح، ثم يُؤمر بأربع كلمات: بكتْب رزْقِه، وأجلِه، وعملِه، وشقيٌّ أو سعيد.
ومنهم من هو موكّل بحفظ أعمال بني آدم خيرِها وشرِّها، وكتابتها: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (١٠) كِرَاماً كَاتِبِينَ (١١) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (١٢) } .
ومنهم من هو موكّل بحفظ بني آدم من المؤذيات:{لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ} .
إلى غير ذلك من الأعمال التي لا يعلمُها إلاّ الله سبحانه وتعالى.
فالإيمان بالملائكة من الإيمان بالغيب، لأننا لا نراهم ولكن الله أخبرَنا عنهم وأخبرنا عنهم رسولُه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنحنُ نؤمن بهم.
ومن لم يؤمن بالملائكة أو لم يؤمن ببعضهم؛ فإنّه كافرٌ بالله عزّ وجلّ.