وجاء عن إبراهيم النخعي:"أنه يكره: أعوذ بالله وبك، ويجوز أن يقول: بالله ثم بك". قال:"ويقول: لولا الله ثم فلان، ولا تقولوا: لولا الله وفلان".
ــ
فهذا فيه مسألتان:
المسألة الأولى: النّهي عن عطف مشيئة المخلوق على مشيئة الخالق بـ (الواو) ، وجواز عطفها بـ (ثُمَّ) ، والفرق: أنّ (الواو) تقتضي التشريك، و (ثُمَّ) تقتضي الترتيب والتعقيب، فتجعل مشيئة المخلوق بعد مشيئة الخالق ومترتِّبةً عليها.
المسألة الثانية: فيه دليل على إثبات المشيئة للمخلوق، رَدًّا على الجبريّة الذين يقولون إنّ المخلوق ليس له مشيئة وإنّما هو مجبَر ومسيَّر، ليس له اختيار ولا مشيئة، وهو مذهبٌ باطل، فالمخلوق له مشيئة، لكنها بعد مشية الله: قال الله تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً (٣٠) } ، {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً (٣٠) } ، {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٢٩) } فأثبت سبحانه وتعالى للمخلوق مشيئة، وجعلها بعد مشيئة الله سبحانه وتعالى، فمشيئة المخلوق مترتّبة على مشيئة الخالق سبحانه وتعالى.
وفي حديث حذيفة مسألة ثالثة: وهو أنّه مَن منع من شيء فإنّه يذكُر البديل الصّحيح عنه إن كان له بديل، لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمّا مَنع من هذه العبارة ذكر البديل الصحيح عنها وهو قولُ:"ما شاء الله ثم شاء فلان".
قوله:"وجاء عن إبراهيم النخعي: أنه يكره: أعوذ بالله وبك" الاستعاذة نوعٌ من أنواع العبادة، لا يجوز صرفُها إلاَّ لله سبحانه وتعالى، فلا يجوز أن تقول:"أعوذ بالله وبك"، لأنّك إذا قلتَ هذا شرَّكت بين الخالق والمخلوق، والتجأت إليها جميعاً، وهذا شرك، لكن تصحيح العبارة أن تقول:(أعوذ بالله، ثُمَّ بك) فتأتي بـ (ثُمَّ) ، والفرق بين (ثُمَّ) وبين (الواو) : أن (ثُمَّ) تجعل الالتجاء إلى المخلوق بعد الالتجاء إلى الخالق سبحانه وتعالى، فالمخلوق يلتجأ إليه فيما يقدر عليه، فتذهب إلى شخص وتطلُب منه أنه يمنع عدوّك عنك، إذا كان هذا الشخص حياً يقدر على منع عدوّك عنك. أمّا العياذ المطلَق فإنّه لا يكون إلاَّ بالله سبحانه وتعالى ولا يجوز العياذ بالميت مطلقاً.
وقوله:"ويقول: لولا الله ثُمَّ فلان، ولا تقولوا: لولا الله وفُلان" سبق شرحه.