ومعنى:{اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} وحِّدوا ربّكم، وأفردوه بالعبادة، لأنّ العرب في وقت نُزول القرآن كثيرٌ منهم يعبُدون الله، ولكنّهم يعبُدون معه غيرَه، فإذا كانت العبادة غير خالِصة لله فإنّها تكون عبادة باطلة، ولهذا أمرهم أن يُفردوه بالعبادة، ويُخلِصوا له العبادة.
ثم ذكر الدليل على وُجوب عبادة الله تعالى فقال:{الَّذِي خَلَقَكُمْ} لأنّ العبادة لا تصلُح إلا للخالِق سبحانه وتعالى، فالذي لا يخلُق لا يصحّ أن يُعبَد، وهذا فيه: إبطال عبادة الأصنام، وعبادة الموتى، وعبادة الأولياء والصّالحين، وعبادة الأشجار والأحجار، لأنّها لا تقدر على الخلْق، وما لا يقدر على الخلق لا يصحّ أن يُعبَد، ولهذا قال في سورة الحج:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ} ، الخالق وهو الذي يستحق العبادة، وهم لا يجحدون هذا، بل يُقرِّون بأن الله هو الذي خلق:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ} .
{لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} إذا ذكرتم بأنّه هو الخالق لكم ولمن قبلكم، لعلّ تذكُّركم لذلك يبعثكم على تقوى الله سبحانه وتعالى، فتعبدونه وتتقون عذابه، لأنّه لا يقي من عذاب الله إلاَّ عبادة الله سبحانه وتعالى، فهو الذي خلقكم، وخلق لكم المصالح التي تستعينون بها على عبادته سبحانه وتعالى، خلقكم وخلق لكم هذه الأشياء، لستم أنتم خلقتم لأنفسكم شيئاً، لستم الذين أنبتم الزرع، ولستم الذين أنزلتم المطر، ولستم الذين خلقتم الأرض وجعلتموها صالحة للنبات والإنبات، ولستم الذين خلقتم السماء وجعلتموها سقفاً للعالم، وفيها مصالحُ العباد.