غير الله، والذي يجوز ما أرشد إليه النّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أن تقول:"لولا الله، ثُمَّ فلان"، لأنّك نسبت النعمة إلى الله، وذكَرْتَ أنّ فلاناً إنّما هو سببٌ فقط، لأنّ (ثُمَّ) للترتيب والتعقيب.
قوله:"وقال ابنُ قُتَيْبَة" ابن قُتيبة هو أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قُتيبة الدِّيْنَوَرِي، إمامٌ في النحو، واللّغة، والتّفسير، وله كتبٌ مشهورة، منها:"كتاب التفسير"، وكتاب " المعارِف".
"يقولون: هذا بشفاعة آلِهتَنا" يعني: يقول المشركون: هذا الذي حصل من الخير ومن النّفع إنما هو بشفاعة آلهتنا. يعني: أنّ آلهتهم شفعتْ عند الله في حصولها، لأنّ المشركين الذين يعبُدون غير الله لا يعتقدون أن معبوداتهم هي التي تخلُق وترزُق، وإنما يعبدونها لاعتقاد أنّها تشفَع لهم عند الله، كما قال تعالى:{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ} ، وقوله:{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى} ، فهم يعتقدون أنّ هذه المعبودات تشفع لهم عند الله، وهذا كذِب، لأنّ الله بيّن الشفاعة الصحيحة، وهي ما توفّر فيها شرْطان: إذْنُ الله للشّافع أن يشفع، ورضاهُ عن المشفوع فيه بأن يكون من أهل التّوحيد.
والمشركون يتقرّبون بأنواع القربات إلى هذه الأوثان، ويذبحون لها، وينذُرون لها، ويطوفون بها، ويقولون:{هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ} ، مثل حالة عُبّاد القبور اليوم، يذبحون للقُبور، وينذُرون للقبور، ويهتِفون بها، ويستغيثون بها، ويستصرخون بها، ويقولون: نحن لا نعتقد أنها تخلُق وترزُق، إنما هي شفعاء عند الله. وكذَبوا في ذلك، فإنّ الله سبحانه وتعالى لا يرضى بهذا ولم يكن هؤلاء شفعاء عنده سبحانه وتعالى.
ومن ذلك قولهم: هذا بشفاعة آلِهَتنا. يقولون: إنّ هذه النعم إنما هي بسبب آلهتنا وبشفاعتها عند الله، كما يقول القبوريّ: هذا بسبب الوليّ فلان، بسبب عبد القادر، بسبب العَيْدَرُوس، بسبب البَدَويّ، وهذا يدخُل في قوله:{يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا} بمعنى: أنهم ينسِبون نعمة الله إلى هذه المعبودات من دون الله عزّ وجلّ. فهذه طريقة المشركين قديماً وحديثاً.