وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ} ملابس الأبداًن التي يستُرون بها عوراتهم، ويُجمِّلون بها هيئاتهم، وملابس الدُّروع التي تقيهم من سلاح العدو.
كلُّ هذه النعم من الله سبحانه وتعالى.
ثم قال تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (٨٢) يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ (٨٣) } .
والمفسِّرون- رحمهم الله- ذكروا أقوالاً في تفسير هذه الآية، وكلّها صحيحة، ولا تناقُض بينها، لأنّها كلّها تدخُل في نعمة الله، وكلُّ منهم يذكُر مثالاً من هذه النعم. فأقوال المفسّرين لا تناقض بينها، واختلافهم- كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية-: اختلافُ تنوُّع، وليس هو اختلاف تضادّ، لأنّ الآية - أو الآيات- تحتمِل عدّة معان، فكلّ واحدٍ من المفسِّرين يأخذ معنىً من هذه المعاني، فإذا جمعتها وجدتّ أنّ الآية- أو الآيات- تتضمّن هذه المعاني الّتي قالوها جميعاً.
فمنهم مَن قال: المراد بقوله: " {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ} ": بِعثة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا شكّ أنّ هذه النعمة هي أكبرُ النعم، ولذلك صدّر السّورة بذكر بعثة الرُّسل: {يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ (٢) } ، وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (١٠٧) } .
ومنهم مَن قال: المراد بالنعمة: كلّ ما ذكره الله في هذه السّورة من أصناف النِّعَم.
لأن قوله:" {نِعْمَتَ اللهِ} " مفرد مضاف، فيعم جميع النِّعم، فقولُه تعالى:" {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ} " أي: يعرفون نِعَمَ الله المذكورة في هذه السورة، ولا يجحدونها في قَرارة أنفسهم، فيعرفون بقلوبهم أنّها من الله، ولكنّهم بألسِنَتهم ينسِبونها إلى غير الله سبحانه وتعالى، أو بالعكس؛ يتلفّظون بأنّ هذه النِّعَم من الله ولكنّهم في قلوبهم يعتقدون أنها من غيره.
ولهذا يقولُ العلماء: أركانُ الشكر ثلاثة لا يصحّ الشّكر إلاّ بها:
الركن الأوّل: التحدُّث بها ظاهراً، كما قال تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (١١) } .