ولَمّا سمعت قريش رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يذكر الرحمن، انكروا ذلك، فأنزل الله فيهم:{وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ} .
ــ
ومنهم: هذا الرجل الذي لما سمع حديثاً في الصّفات استنكره وانتفض خوفاً من ذكره ولا يحدث ذلك منه عند المتشابه.
فدلّ قولهُ رضي الله عنه:"يجدون رِقّة عند محكَمه" على أنّ آيات الصّفات من المحكَم وليست من المتشابه. وفي هذا ردٌّ على أهل الضّلال الذين يجعلون نصوص الصّفات من المتشابهِ، ويفوِّضون معناها إلى الله. وهذا ضلالٌ وغلط، بل هي من المحكَم الذي يُعرف معناه ويفسَّرُ، ولذلك بيّن عبد الله بن عبّاس رضي الله عنهما أنها من المحكَم، وهذا هو الحقّ، وهو مذهب السّلف: يقول شيخ الإسلام رحمه الله: "ما وجدتّ أحداً من أهل العلم من السلف جعل آيات الصّفات من المتشابه" على كثرة إطّلاعه وتتبُّعه.
ويُستفاد من نصوص الباب فوائد عظيمة:
الفائدة الأولى: أن إنكار الأسماء والصّفات كفر لقوله تعالى: " {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ} "، ولكنّه كفرٌ فيه تفصيل قد يكون كفراً أكبر مخرج من المِلّة، وقد يكون كفراً أصغر لا يُخرج من الملّة لكنّه ضلال، وهذا بحسب حال النّافي للأسماء والصّفات: هل هو مقلِّد أو غير مقلِّد؟، هل هو متأوِّل أو غير متأوِّل؟.
الفائدة الثانية: في قول عليّ رضي الله عنه: "حدِّثوا الناس بما يعرِفون" فيه: أنه يجب على المتحدِّث في خطبة أو في درس أو في موعظة أو في محاضرة أن يتحدّث بما يناسِب حال المستمعين وما ينفعهم، ولا يأتي لهم بالغرائب والأشياء التي لا يفهمونها، لأنّ هذه الأشياء إن لم تكن صحيحة فقد كذَب على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كالذي يروِّجه بعضُ القُصّاص من الأحاديث المكذوبة والموضوعة، وإن كانت ثابتة عن الرّسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنّه يكون قد تسّبب في استنكار الحاضرين لها وجحدهم لها، فيكون هو السّبب الذي حملهم على ذلك.
الفائدة الثالثة: أيضاً في قول عليّ رضي الله عنه طلب التدرُّج في تعليم النّاس، فيبدأ بصغار المسائل، ثم يُنتَقل إلى كِبارها، هذا هو الطّريق الصحيح للتّعليم، أما أن يؤتى بكبار المسائل للمبتدئين فهذا خطأ في طريقة التعليم.