لا تخفى عليه خافية ولا تخفى عليه أحوالُ عباده أبداً، ولكنه يبتليهم ويمتحنهم ليكفِّر عنهم سيِّئاتهم وليختبر إيمانهم وليعظُم رجاؤهم بالله عزّ وجلّ وليتوبوا إلى الله عزّ وجلّ. وله الحكمة في ذلك سبحانه وتعالى.
قوله:"رواه عبد الرزاق" عبد الرزاق بن هَمَّام الصنعاني، الإمام الجليل، شيخ العلماء والمحدِّثين، روى عنه: الإمام أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهوَيْه، وغيرهما من كبار الأئمة- رحمهم الله-.
وقوّى إسناد هذا الحديث: ابن جرير الطبري.
فهذه النصوص في هذا الباب يُستفاد منها الأحكام التالية:
أولاً: تحريم الأمن من مكر الله والقنوط من رحمة الله، وأنهما ينقِّصان كمال التّوحيد وقد ينافيان التّوحيد.
ثانياً: أنه يجب على المسلم أن يجمع بين الخوف والرجاء، فلا يخاف فقط ولا يرجو فقط، وإنما يكون خائفاً راجياً دائماً وأبداً، هذا هو التّوحيد، وهو صفة أولياء الله.
ثالثاً: في هذه النصوص أن المعلِّم والداعية يبدأ بالأهم فالأهم؛ لأن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمّا أراد أن يعلِّم أصحابه الكبائر بدأ بأهمها وهو الشرك بالله عزّ وجلّ، لأن الشرك أكبرُ الكبائر فبدأ به، ثمّ ذكر بعده الأمن من مكر الله والقنوط من رحمة الله.
رابعاً: في الحديثين: أن الذنوب تنقسم إلى صغائر وكبائر، وقد عرّف العلماء الكبيرة بأنها:"ما رُتِّبَ عليها حدٌّ في الدنيا، أو وعيدٌ في الآخرة، أو خُتم بغضب، أو لعنة، أو نار، أو تبرّأ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من صاحبها، بأن قال: "ليس منا من فعل كذا"، أو نفى عنه الإيمان كقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن". هذه ضوابط الكبيرة.
أما الصغائر فهي ما ليس كذلك مما حرّمه الله ونهى عنه، ولم يصل إلى حدّ الكبيرة.
ولكن لا يحمل هذا الإنسان على أنه يتساهل بالصغائر، لأن الصغائر إذا تُسوهِل بها جرَّتْ إلى الكبائر؛ والصغيرة تعظُم حتى تكون كبيرة مع الإصرار؛