للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِلَّا سُلَيْمَانُ إِذْ قَالَ الْإِلَهُ لَهُ ... قُمْ فِي الْبَرِّيَّةِ فَاحْدُدْهَا عَنِ الْفَنَدِ

وَخَيِّسِ الْجِنِّ إِنِّي قَدْ أَذِنْتُ لَهُمْ ... يَبْنُونَ تَدْمُرَ بِالصِّفَاحِ وَالْعَمَدِ

وَتَدْمُرُ: بَلَدٌ بِالشَّامِ، وَذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشَّامَ هُوَ مَحَلُّ سُكْنَاهُ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ} . الْأَظْهر فِي قَوْله {مَنْ يَغُوصُونَ} أَنَّهُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَطْفًا عَلَى مَعْمُولِ {إِنَّا سَخَّرْنَا} أَيْ وَسَخَّرْنَا لَهُ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ مِنَ الشَّيَاطِينِ. وَقِيلَ: «مِنْ» مُبْتَدَأٌ، وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ قَبْلَهُ خَبَرُهُ. وَقَدْ ذَكَرَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّهُ سَخَّرَ لِسُلَيْمَانَ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ مِنَ الشَّيَاطِينِ. أَيْ يَغُوصُونَ لَهُ فِي الْبِحَارِ فَيَسْتَخْرِجُونَ لَهُ مِنْهَا الْجَوَاهِرَ النَّفِيسَةَ، كَاللُّؤْلُؤِ، وَالْمَرْجَانِ. وَالْغَوْصُ: النُّزُولُ تَحْتَ الْمَاءِ، وَالْغَوَّاصُ: الَّذِي يَغُوصُ الْبَحْرَ لِيَسْتَخْرِجَ مِنْهُ اللُّؤْلُؤَ وَنَحْوَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ نَابِغَةِ ذُبْيَانَ:

أَوْ دُرَّةٌ صَدَفِيَّةٌ غواصها ... بهج مَتى يَرَاهَا يُهِلَّ وَيَسْجُدِ

وَقَدْ ذَكَرَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَيْضًا أَنَّ الشَّيَاطِينَ الْمُسَخَّرِينَ لَهُ يَعْمَلُونَ لَهُ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ، أَيْ سِوَى ذَلِكَ الْغَوْصِ الْمَذْكُورِ، أَيْ كَبِنَاءِ الْمَدَائِنِ وَالْقُصُورِ، وَعَمَلِ الْمَحَارِيبِ وَالتَّمَاثِيلِ، وَالْجِفَانِ وَالْقُدُورِ الرَّاسِيَاتِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنِ اخْتِرَاعِ الصَّنَائِعِ الْعَجِيبَةِ.

وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: {وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ} أَيْ مِنْ أَنْ يَزِيغُوا عَنْ أَمْرِهِ، أَوْ يُبَدِّلُوا أَوْ يُغَيِّرُوا، أَوْ يُوجَدَ مِنْهُمْ فَسَادٌ فِيمَا هُمْ مُسَخَّرُونَ فِيهِ. وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ الثَّلَاثُ الَّتِي تَضَمَّنَتْهَا هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ جَاءَتْ مُبَيَّنَةً فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، كَقَوْلِهِ فِي الْغَوْصِ وَالْعَمَل سَوَاء: {وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّآءٍ وَغَوَّاصٍ} ، وَقَوْلِهِ فِي الْعَمَلِ غَيْرِ الْغَوْصِ: {وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ} ، وَقَوْلِهِ: {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>