قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ: الَّذِي يَظْهَرُ لي رجحانه بِالدَّلِيلِ فِي هَذِه الْمَسْأَلَة أَن الْخَضِرَ لَيْسَ بِحَيٍّ بَلْ تُوُفِّيَ، وَذَلِكَ لِعِدَّةِ أَدِلَّةٍ:
الْأَوَّلُ: ظَاهِرُ عُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِيْن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} ، فَقَوْلُهُ «لِبَشَرٍ» نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَهِيَ تَعُمُّ كُلَّ بَشَرٍ فَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ نَفْيُ الْخُلْدِ عَنْ كُلِّ بَشَرٍ مِنْ قَبْلِهِ. وَالْخَضِرُ بَشَرٌ مِنْ قَبْلِهِ. فَلَوْ كَانَ شَرِبَ مِنْ عَيْنِ الْحَيَاةِ وَصَارَ حَيًّا خَالِدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَكَانَ اللَّهُ قَدْ جَعَلَ لِذَلِكَ الْبَشَرِ الَّذِي هُوَ الْخَضِرُ مِنْ قَبْلِهِ الْخُلْدَ.
الثَّانِي: قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدُ فِي الْأَرْضِ» فَقَدْ قَالَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ (١) : حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، حَدَّثَنِي سِمَاكٌ الْحَنَفِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ (ح) وَحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَاللَّفْظُ لَهُ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الْحَنَفِيُّ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنِي أَبُو زُمَيْلٍ هُوَ زَمِيلٌ الْحَنَفِيُّ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا. فَاسْتَقْبَلَ النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ: «اللَّهُمَّ أَنْجِزَ لِي مَا وَعَدْتَنِي. اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدُ فِي الْأَرْضِ» فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ. فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ وَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} فَأَمَدَّهُ اللَّهُ بِالْمَلَائِكَةِ.. الْحَدِيثَ. وَمَحَلُّ الشَّاهِدِ مِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم: «لَا
(١) - صَحِيح مُسلم (٣/١٣٨٣) (١٧٦٣) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute