شَآءَ اللَّهُ) . وأوضحنا أَنما أُوعِدُ بِهِ الْكُفَّارُ لَا يُخْلَفُ بِحَالٍ، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَاتُ الْمَذْكُورَةُ. أَمَّا مَا أُوعِدَ بِهِ عُصَاةُ الْمُسْلِمِينَ، فَهُوَ الَّذِي يَجُوزُ أَلَّا يُنَفِّذَهُ وَأَنْ يَعْفُوَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ) . وَبِالتَّحْقِيقِ الَّذِي ذَكَرْنَا: تَعْلَمُ أَنَّ الْوَعْدَ يُطْلَقُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ كَمَا بَيَّنَّا، وَإِنَّمَا شَاعَ عَلَى أَلْسِنَةِ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ، مِنْ أَنَّ الْوَعْدَ لَا يُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِي الْوَعْدِ بِخَيْرٍ وَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي لَا يُخْلِفُهُ اللَّهُ، وَأَمَّا إِنْ كَانَ الْمُتَوَعَّدُ بِهِ شَرًّا، فَإِنَّهُ وَعِيدٌ وَإِيعَادٌ. قَالُوا: إِنَّ الْعَرَبَ تَعُدُّ الرُّجُوعَ عَنِ الْوَعْدِ لُؤْمًا، وَعَنِ الْإِيعَادِ كَرَمًا، وَذَكَرُوا عَنِ الْأَصْمَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ، فَجَاءَهُ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ فَقَالَ: يَا أَبَا عَمْرٍو، هَلْ يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ؟ فَقَالَ: لَا، فَذَكَرَ آيَةَ وَعِيدٍ، فَقَالَ لَهُ: أَمِنَ الْعَجَمِ أَنْتَ؟ إِنَّ الْعَرَبَ تَعُدُّ الرُّجُوعَ عَنِ الْوَعْدِ لُؤْمًا وَعَنِ الْإِيعَادِ كَرَمًا، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
وَلَا يَرْهَبُ ابْنُ الْعَمِّ وَالْجَارُ سَطْوَتِي ... وَلَا انْثَنَى عَنْ سَطْوَةِ الْمُتَهَدِّدِ
فَإِنِّي وَإِنْ أَوْعَدْتُهُ أَوْ وَعَدْتُهُ ... لَمُخْلِفٌ إِيعَادِي وَمُنْجِزٌ مَوْعِدِي
فِيهِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ.
الْأَوَّلُ: هُوَ مَا بَيَّنَّاهُ آنِفًا مِنْ إِطْلَاقِ الْوَعْدِ فِي الْقُرْآنِ عَلَى التَّوَعُّدِ بِالنَّارِ، وَالْعَذَابِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ) وَقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ) لِأَنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ الَّذِي لَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْهُ، وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ فِي حُلُول الْعَذَاب الَّذِي يستعجلونك بِهِ بهم، لِأَنَّهُ مُقْتَرِنٌ بِقَوْلِهِ: (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ) فَتَعَلُّقُهُ بِهِ هُوَ الظَّاهِرُ.
الثَّانِي: هُوَ مَا بَيَّنَّا أَنَّ مَا أَوْعَدَ اللَّهُ بِهِ الْكُفَّارَ لَا يَصِحُّ أَنْ يُخْلِفَهُ بِحَالٍ، لِأَنَّ ادِّعَاءَ جَوَازِ إِخْلَافِهِ، لِأَنَّهُ إِيعَادٌ وَأَنَّ الْعَرَبَ تَعُدُّ الرُّجُوعَ عَنِ الْإِيعَادِ كَرَمًا يُبْطِلُهُ أَمْرَانِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ جَوَازُ أَلَّا يَدْخُلَ النَّارَ كَافِرٌ أَصْلًا، لِأَنَّ إيعادهم بإدخالهم
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute