للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (١٢) قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُولِي الأَبْصَارِ (١٣)

يقول تعالى: قل يا محمد للكافرين: (سَتُغْلَبُونَ) أي: في الدنيا، (وَتُحْشَرُونَ) أي: يوم القيامة (إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ).

وقد ذكر محمد بن إسحاق بن (١) يسار، عن عاصم بن عمر بن قتادة؛ أن رسول الله لما أصاب من أهل بدر ما أصاب ورجع إلى المدينة، جمع اليهود في سوق بني قَيْنُقَاع وقال: " يا معشر يهود، أسلموا قبل أن يصيبكم الله ما (٢) أصاب قريشًا". فقالوا: يا محمد، لا يغرنك من نفسك أن قتلت نفرًا من قريش كانوا أغمارًا لا يعرفون القتال، إنك والله لو (٣) قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس، وأنك لم تلق مثلنا؟ فأنزل الله في ذلك من قولهم: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ) إلى قوله: (لَعِبْرَةً (٤) لأولِي الأبْصَارِ) (٥).

وقد رواه ابن إسحاق أيضًا، عن محمد بن أبي محمد، عن سعيد أو عكرمة، عن ابن عباس فذكره؛ ولهذا قال تعالى: (قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ) أي: قد كان لكم -أيها اليهود القائلون ما قلتم - (آيَةٌ) أي: دلالة على أن الله معز دينه، وناصر رسوله، ومظهر كلمته، ومعل أمره (فِي فِئَتَيْنِ) أي: طائفتين (الْتَقَتَا) أي: للقتال (فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) وهم المسلمون، (وَأُخْرَى كَافِرَةٌ) وهم مشركو قريش يوم بدر.

وقوله: (يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ) قال بعض العلماء -فيما حكاه ابن جرير: يرى المشركون يوم بدر المسلمين مثليهم في العدد رأي أعينهم، أي: جعل الله ذلك فيما رأوه سببًا لنصرة الإسلام عليهم. وهذا لا إشكال عليه إلا من جهة واحدة، وهي أن المشركين بعثوا عمر بن سعد يومئذ قبل القتال يحزر (٦) لهم المسلمين، فأخبرهم بأنهم ثلاثمائة، يزيدون قليلا أو ينقصون قليلا. وهكذا كان الأمر، كانوا ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا ثم لما وقع القتال أمدّهم الله بألف من خواص الملائكة وساداتهم.

والقول الثاني: " أن المعنى في قوله: (يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ) أي: ترى الفئة المسلمة الفئة الكافرة مثليهم، أي: ضعفيهم في العدد، ومع هذا نصرهم (٧) الله عليهم". وهذا لا إشكال فيه على ما رواه العوفي، عن ابن عباس أن المؤمنين كانوا يوم بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا والمشركين (٨) كانوا ستمائة وستة وعشرين رجلا. وكأن هذا القول مأخوذ من ظاهر هذه الآية، ولكنه خلاف المشهور عند أهل التواريخ والسير وأيام الناس، وخلاف المعروف عند الجمهور من أن المشركين كانوا ما بين التسعمائة إلى الألف كما رواه محمد بن إسحاق، عن يزيد بن رومان، عن عروة بن الزبير، أن رسول الله لما سأل ذلك العبد


(١) في ر: "عن".
(٢) في جـ، ر: "بما".
(٣) في جـ، ر: "إن".
(٤) في ر، و: "عبرة".
(٥) السيرة لابن إسحاق (ق ١٦٢ ظاهرية).
(٦) في أ، و: "يحرز".
(٧) في أ: "نصر".
(٨) في جـ، ر، أ: "والمشركون".