للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تعالى: (فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ)

قال سعيد بن جبير والسدي: (فَلَهُ مَا سَلَفَ) فإنه (١) ما كان أكل من الربا قبل التحريم.

وقال ابن أبي حاتم: قرئ على محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، أخبرنا ابن وهب، أخبرني جرير بن حازم، عن أبي إسحاق الهمداني، عن أم يونس -يعني امرأته العالية بنت أيفع -أن عائشة زوج النبي قالت لها أم محبة (٢) أم ولد لزيد بن أرقم-: يا أم المؤمنين، أتعرفين زيد بن أرقم؟ قالت: نعم. قالت: فإني بعته عبدًا إلى العطاء بثمانمائة، فاحتاج إلى ثمنه، فاشتريته قبل محل الأجل بستمائة. فقالت: بئس ما شريت! وبئس ما اشتريت! أبلغي زيدًا أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله إن لم يتب قالت: فقلت: أرأيت إن تركت المائتين وأخذت الستمائة؟ قالت: نعم، (فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ) (٣).

وهذا الأثر مشهور، وهو دليل لمن حرم مسألة العينة، مع ما جاء فيها من الأحاديث المقررة في كتاب الأحكام، ولله الحمد والمنة.

ثم قال تعالى: (وَمَنْ عَادَ) أي: إلى الربا ففعله بعد بلوغ نهي الله له عنه، فقد استوجب العقوبة، وقامت عليه الحجة؛ ولهذا قال: (فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)

وقد قال أبو داود: حدثنا يحيى بن معين، أخبرنا عبد الله بن رجاء المكي، عن عبد الله بن عثمان بن خُثَيْم، عن أبي الزبير، عن جابر قال: لما نزلت: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) قال رسول الله : "من لم يذر المخابرة، فليأذن بحرب من الله ورسوله" (٤).

ورواه الحاكم في مستدركه، من حديث ابن خثيم، وقال: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجه (٥) (٦).

وإنما حرمت المخابرة وهي: المزارعة ببعض ما يخرج من الأرض، والمزابنة وهي: اشتراء الرطب في رؤوس النخل بالتمر على وجه الأرض، والمحاقلة وهي: اشتراء الحب في سنبله في الحقل بالحب على وجه الأرض -إنما حرمت هذه الأشياء وما شاكلها، حسمًا لمادة الربا؛ لأنه لا يعلم التساوي بين الشيئين قبل الجفاف. ولهذا قال الفقهاء: الجهل بالمماثلة كحقيقة المفاضلة. ومن هذا حرموا أشياء بما فهموا من تضييق المسالك المفضية إلى الربا، والوسائل الموصلة إليه، وتفاوت (٧) نظرهم بحسب ما وهب الله لكل منهم من العلم، وقد قال تعالى: ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ [يوسف: ٧٦].

وباب الربا من أشكل الأبواب على كثير من أهل العلم، وقد قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، : ثلاث وددت أن رسول الله عهد (٨) إلينا فيهن عهدًا ننتهي إليه: الجد، والكلالة، وأبواب من أبواب الربا (٩)، يعني بذلك بعض المسائل التي فيها شائبة الربا والشريعة شاهدة بأن كل


(١) في جـ، و: "فله".
(٢) في أ: و: "أم محنة".
(٣) في هـ: "من" والمثبت من ج، أهو الصواب.
(٤) سنن أبي داود برقم (٣٤٠٦).
(٥) في جـ، أ، و: "ولم يخرجاه".
(٦) المستدرك (٢/ ٢٨٦) ووقع فيه: "ولم يخرجاه".
(٧) في أ: "وتقارب".
(٨) في جـ: "أن رسول الله كان عهد".
(٩) رواه البخاري في صحيحه برقم (٥٥٨٨) ومسلم في صحيحه برقم (٣٠٣٢).