للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

به كما يُبَس الرجل بدابته، فإذا سكن له زنقه -أو: ألجمه". قال أبو هُرَيرة: وأنتم ترون ذلك، أما المزنوق فتراه مائلا-كذا-لا يذكر الله، وأما الملجم ففاتح فاه لا يذكر الله، ﷿. تفرد به أحمد (١).

وقال سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله: (الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ) قال: الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل وسوس، فإذا ذكر الله خَنَس. وكذا قال مجاهد، وقتادة.

وقال المعتمر بن سليمان، عن أبيه: ذُكرَ لي أن الشيطان، أو: الوسواس ينفث في قلب ابن آدم عند الحزن وعند الفرح، فإذا ذكر الله خنس.

وقال العوفي عن ابن عباس في قوله: (الْوَسْوَاس) قال: هو الشيطان يأمر، فإذا أطيع خنس.

وقوله: (الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ) هل يختص هذا ببني آدم -كما هو الظاهر -أو يعم بني آدم والجن؟ فيه قولان، ويكونون قد دخلوا في لفظ الناس تغليبا.

وقال ابن جرير: وقد استعمل فيهم (رجَالٌ منَ الجن) فلا بدع في إطلاق الناس عليهم.

وقوله: (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) هل هو تفصيل لقوله: (الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ) ثم بينهم فقال: (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) وهذا يقوي القول الثاني. وقيل قوله: (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) تفسير للذي يُوسوس في صدور الناس، من شياطين الإنس والجن، كما قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا﴾ [الأنعام: ١١٢]، وكما قال الإمام أحمد:

حدثنا وَكِيع، حدثنا المسعودي، حدثنا أبو عُمَر الدمشقي، حدثنا عبيد بن الخشخاش، عن أبي ذر قال: أتيت رسول الله وهو في المسجد، فجلست، فقال: "يا أبا ذر، هل صليت؟ ". قلت: لا. قال: "قم فصل". قال: فقمت فصليت، ثم جلست فقال: "يا أبا ذر، تعوذ بالله من شر شياطين الإنس والجن".

قال: قلت: يا رسول الله، وللإنس شياطين؟ قال: "نعم". قال: قلت: يا رسول الله، الصلاة؟ قال: "خير موضوع، من شاء أقل، ومن شاء أكثر". قلت: يا رسول الله فما الصوم؟ قال: "فرض يجزئ، وعند الله مزيد". قلت: يا رسول الله، فالصدقة؟ قال: "أضعاف مضاعفة". قلت: يا رسول الله، أيها (٢) أفضل؟ قال: "جُهد من مُقل، أو سر إلى فقير". قلت: يا رسول الله، أي الأنبياء كان أول؟ قال: "آدم". قلت: يا رسول الله، ونبي (٣) كان؟ قال: "نعم، نبي مُكَلَّم". قلت: يا رسول الله، كم المرسلون؟ قال: "ثلثمائة وبضعة عشر، جَمًّا غَفيرًا". وقال مرة: "خمسة عشر". قلت: يا رسول الله، أيما أنزل عليك أعظم؟


(١) المسند (٢/ ٢٣٠)، وقال الهيثمي في المجمع (١/ ٢٤٢): "رجاله رجال الصحيح".
(٢) في م: "فأيها".
(٣) في م: "ونبيا".