للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال قتادة في قوله: (الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ) ذُكر لنا أن دانيال، ، نعت أمة محمد فقال: يصلون صلاة لو صلاها قوم نوح ما غرقوا، أو قوم عاد ما أرسلت عليهم الريح العقيم، أو ثمود ما أخذتهم الصيحة. فعليكم بالصلاة فإنها خُلُق للمؤمنين حسن.

وقوله: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) أي: في أموالهم نصيب مقرر لذوي الحاجات. وقد تقدم الكلام على ذلك في "سورة الذاريات".

وقوله: (وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ) أي: يوقنون بالمعاد والحساب والجزاء، فهم يعملون عمل من يرجو الثواب ويخاف العقاب؛ ولهذا قال: (وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ) أي: خائفون وجلون، (إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ) أي: لا يأمنه أحد ممن عقل عن الله أمره إلا بأمان من الله .

وقوله: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ) أي: يكفونها عن الحرام ويمنعونها أن توضع في غير ما أذن الله [فيه] (١) ولهذا قال: (إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) أي: من الإماء، (فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) وقد تقدم تفسير ذلك في أول سورة (٢) (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) بما أغنى عنى إعادته هاهنا.

وقوله: (وَالَّذِينَ هُمْ لأمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) أي: إذا اؤتمنوا لم يخونوا، وإذا عاهدوا لم يغدروا. وهذه صفات المؤمنين، وضدها صفات المنافقين، كما ورد في (٣) الحديث الصحيح: "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان". وفي رواية: "إذا حَدَّث كذب، وإذا عاهد غَدَر، وإذا خاصم فجر" (٤).

وقوله: (وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ) أي: محافظون عليها لا يزيدون فيها، ولا ينقصون منها، ولا يكتمونها، ﴿وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ﴾ [البقرة: ٢٨٣].

ثم قال: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) (٥) أي: على مواقيتها وأركانها وواجباتها ومستحباتها، فافتتح الكلام بذكر الصلاة واختتمه بذكرها، فدل على الاعتناء بها والتنويه بشرفها، كما تقدم في أول سورة: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ)؛ سواء لهذا قال هناك: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [المؤمنون: ١٠، ١١] وقال هاهنا: (أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ) أي: مكرمون بأنواع الملاذ والمسار.

﴿فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (٣٦) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ (٣٧) أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (٣٨) كَلا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (٣٩)


(١) زيادة من م.
(٢) في م: "سورة المؤمنون".
(٣) في م: "كما ورد به".
(٤) تقدم تخريج الحديث عند تفسير الآية: ٨ من سورة المؤمنون.
(٥) في أ: "على صلاتهم".