للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله: (فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) يعني: الفئتين المقتتلتين، (وَاتَّقُوا اللَّهَ) أي: في جميع أموركم (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)، وهذا تحقيق منه تعالى للرحمة لمن اتقاه.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (١١)

ينهى تعالى عن السخرية بالناس، وهو احتقارهم والاستهزاء بهم، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله أنه قال: "الكِبْر بطر الحق وغَمْص الناس" ويروى: "وغمط الناس" (١) والمراد من ذلك: احتقارهم واستصغارهم، وهذا حرام، فإنه قد يكون المحتقر أعظم قدرا عند الله وأحب إليه من الساخر منه المحتقر له؛ ولهذا قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ)، فنص على نهي الرجال وعطف بنهي النساء.

وقوله: (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) أي: لا تلمزوا الناس. والهمَّاز اللَّماز من الرجال مذموم ملعون، كما قال [تعالى]: (٢) ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ﴾ [الهمزة: ١]، فالهمز بالفعل واللمز بالقول، كما قال: ﴿هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ﴾ [القلم: ١١] أي: يحتقر الناس ويهمزهم طاعنًا عليهم، ويمشي بينهم بالنميمة وهي: اللمز بالمقال؛ ولهذا قال هاهنا: (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ)، كما قال: ﴿وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [النساء: ٢٩] أي: لا يقتل بعضكم بعضا (٣).

قال ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وقتادة، ومقاتل بن حَيَّان: (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) أي: لا يطعن بعضكم على بعض.

وقوله: (وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ) أي: لا تتداعوا بالألقاب، وهي التي يسوء الشخص سماعها.

قال (٤) الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل، حدثنا داود بن أبي هند، عن الشعبي قال: حدثني أبو جَبِيرة (٥) بن الضحاك قال: فينا نزلت في بني سلمة: (وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ) قال: قدم رسول الله المدينة وليس فينا رجل إلا وله اسمان أو ثلاثة، فكان إذا دُعِىَ أحد منهم باسم من تلك الأسماء قالوا: يا رسول الله، إنه يغضب من هذا. فنزلت: (وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ)

ورواه أبو داود عن موسى بن إسماعيل، عن وُهَيْب، عن داود، به (٦).

وقوله: (بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ) أي: بئس الصفة والاسم الفسوق وهو: التنابز بالألقاب، كما كان أهل الجاهلية يتناعتون، بعدما دخلتم (٧) في الإسلام وعقلتموه، (وَمَنْ لَمْ يَتُبْ)


(١) صحيح مسلم برقم (٩١) من حديث عبد الله بن مسعود .
(٢) زيادة من ت.
(٣) في م: "أي: لا يطعن بعذكم على بعض".
(٤) في ت: "وروى".
(٥) في ت: "عن أبي جبيرة".
(٦) المسند (٤/ ٢٦٠) وسنن أبي داود برقم (٤٩٦٢) ورواه الترمذي في السنن برقم (٣٢٦٨) من طريق داود بن أبي هند به، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح".
(٧) في ت: "دخلوا".