للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بحضرة رسول الله ، وقد روينا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب [] (١) أنه سمع صَوت رجلين في مسجد رسول الله (٢) قد ارتفعت أصواتهما، فجاء، فقال: أتدريان أين أنتما؟ ثم قال: مِن أين أنتما؟ قالا من أهل الطائف. فقال: لو كنتما من أهل المدينة لأوجعتكما ضربا (٣).

وقال العلماء: يكره رفع الصوت عند قبره، كما كان يكره في حياته؛ لأنه محترم حيا وفي قبره، صلوات الله وسلامه عليه (٤)، دائما. ثم نهى عن الجهر له بالقول كما يجهر الرجل لمخاطبه ممن عداه، بل يخاطب بسكينة ووقار وتعظيم؛ ولهذا قال: (وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ)، كما قال: ﴿لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا﴾ [النور: ٦٣].

وقوله: (أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) أي: إنما نهيناكم عن رفع الصوت عنده خشية أن يغضب من ذلك، فيغضب الله لغضبه، فيحبط الله عمل من أغضبه وهو لا يدري، كما جاء في الصحيح: "إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يُلقي لها بَالا يكتب له بها الجنة. وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سَخَط الله لا يُلقي لها بالا يَهْوِي بها في النار أبعد ما بين السموات والأرض" (٥).

ثم ندب الله ﷿ (٦)، إلى خفض الصوت عنده، وحَثّ على ذلك، وأرشد إليه، ورغَّب فيه، فقال: (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى) أي: أخلصها لها وجعلها أهلا ومحلا (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ).

وقد قال (٧) الإمام أحمد في كتاب الزهد: حدثنا عبد الرحمن، حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، قال: كُتب إلى عمر (٨) يا أمير المؤمنين، رجل لا يشتهي المعصية ولا يعمل بها، أفضل، أم رجل يشتهي المعصية ولا يعمل بها؟ فكتب عمر، : إن الذين يشتهون المعصية ولا يعملون بها (أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) (٩).

﴿إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (٤)

ثم إنه تعالى ذَمّ الذين ينادونه من وراء الحجرات، وهي بيوت نسائه، كما يصنع أجلاف الأعراب، فقال: (أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ)

﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥)

ثم أرشد إلى الأدب في ذلك فقال: (وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ) أي:


(١) زيادة من ت.
(٢) في ت، م: "النبي".
(٣) رواه البخاري في صحيحه برقم (٤٧٠) من طريق السائب بن يزيد فذكره.
(٤) في ت: "".
(٥) صحيح البخاري برقم (٦٤٧٨) من حديث أبي هريرة .
(٦) في ت: "".
(٧) في ت: "وقد روى".
(٨) في ت: "عمر بن الخطاب ".
(٩) ذكره السيوطي في الدر المنثور (٧/ ٥٥٢) وعزاه لأحمد في الزهد.