للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ) قال ابن عباس، وأبو صالح: هو الرجم باللسان وهو الشتم.

وقال قتادة: [هو] (١) الرجم بالحجارة.

أي (٢) أعوذ بالله الذي خلقني وخلقكم [من] (٣) أن تصلوا إليَّ بسوء من قول أو فعل.

(وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ) أي: فلا تتعرضوا (٤) إليَّ، ودعوا الأمر بيني وبينكم مسالمة إلى أن يقضي الله بيننا. فلما طال مقامه بين أظهرهم، وأقام حجج الله عليهم، كل ذلك وما زادهم ذلك إلا كفرًا وعنادًا، دعا ربه عليهم دعوة نفذت فيهم، كما قال تعالى: ﴿وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ * قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا﴾ [يونس: ٨٨، ٨٩]. وهكذا قال هاهنا: (فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ) فعند ذلك أمره الله تعالى أن يخرج ببني إسرائيل من بين أظهرهم من غير أمر فرعون ومشاورته واستئذانه؛ ولهذا قال: (فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ) كما قال: ﴿وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لا تَخَافُ دَرَكًا وَلا تَخْشَى﴾ [طه: ٧٧].

وقوله هاهنا: (وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ) وذلك أن موسى، ، لما جاوز هو وبنو إسرائيل البحر، أراد موسى أن يضربه بعصاه حتى يعود كما كان، ليصير حائلا بينهم وبين فرعون، فلا يصل إليهم. فأمره الله (٥) أن يتركه على حاله ساكنًا، وبشره بأنهم جند مغرقون فيه (٦)، وأنه لا يخاف دركًا ولا يخشى.

قال ابن عباس: (وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا) كهيئته وامضِهْ. وقال مجاهد (رهوا) طريقًا يبسًا كهيئته، يقول: لا تأمره يرجع، اتركه حتى يرجع آخرهم. وكذا قال عكرمة، والربيع بن أنس، والضحاك، وقتادة، وابن زيد وكعب الأحبار وسِمَاك بن حرب، وغير واحد (٧).

ثم قال تعالى: (كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ) وهي البساتين (وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ) والمراد بها الأنهار والآبار، (وَمَقَامٍ كَرِيمٍ) وهي المساكن الكريمة الأنيقة والأماكن الحسنة.

وقال مجاهد، وسعيد بن جبير: (وَمَقَامٍ كَرِيمٍ) المنابر.

وقال ابن لَهِيعة، عن وهب (٨) بن عبد الله المعافري، عن عبد الله بن عمرو قال: نيل مصر سيد الأنهار، سخر الله له كل نهر بين المشرق والمغرب، وذلَّلَهُ له، فإذا أراد الله أن يجري نيل مصر أمر كل نهر أن يمده، فأمدته الأنهار بمائها، وفجر الله له الأرض عيونًا، فإذا انتهى جريه إلى ما أراد الله، أوحى الله إلى كل ماء أن يرجع إلى عنصره.


(١) زيادة من ت.
(٢) في أ: "إني".
(٣) زيادة من ت، م.
(٤) في أ: "تعترضوا".
(٥) في ت: "تعالى".
(٦) في ت: "أي في البحر"، وفي أ: "أي فيه".
(٧) في ت: "وغيرهما".
(٨) في م: "ولهب".