للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ). تمنى على الله أن يعلم قومه ما عاين من كرامة الله [له]، (١) وما هجم عليه.

وقال ابن عباس: نصح قومه في حياته بقوله: ﴿يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ﴾ [يس: ٢٠]، وبعد مماته في قوله: (يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ) رواه ابن أبي حاتم.

وقال سفيان الثوري، عن عاصم الأحول، عن أبي مِجْلَز: (بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ) بإيماني بربي وتصديقي المرسلين.

ومقصوده أنهم لو اطلعوا على ما حصل من هذا الثواب والجزاء والنعيم المقيم، لقادهم ذلك إلى اتباع الرسل، فرحمه الله ورضي عنه، فلقد كان حريصا على هداية قومه.

قال (٢) ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا هشام بن عبيد الله، حدثنا ابن جابر -وهو محمد-عن (٣) عبد الملك -يعني: ابن عمير-قال: قال عروة بن مسعود الثقفي للنبي : ابعثني إلى قومي أدعوهم إلى الإسلام. فقال رسول الله : "إني أخاف أن يقتلوك". فقال: لو وجدوني نائما ما أيقظوني. فقال له رسول الله : "انطلق". فانطلق فمر على اللات والعزى، فقال: لأصبحَنَّك غدًا بما يسوءك. فغضبت ثقيف، فقال: يا معشر ثقيف، إن اللات لا لات، وإن العُزى لا عُزى، أسلموا تسلموا. يا معشر الأحلاف، إن العزى لا عزى، وإن اللات لا لات، أسلموا تسلموا. قال ذلك ثلاث مرات، فرماه رجل فأصاب أكْحَله فقتله، فبلغ رسولَ الله فقال: "هذا مثله كمثل صاحب يس، (قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ) (٤)

وقال محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن مَعْمَر بن حَزْم: أنه حدث عن كعب الأحبار: أنه ذكر له حبيب بن زيد بن عاصم -أخو بني مازن بن النجار-الذي كان مسيلمة الكذاب قَطَّعه باليمامة، حين جعل يسأله عن رسول الله ، فجعل يقول: أتشهد أن محمدا رسول الله؟ فيقول: نعم. ثم يقول: أتشهد أني رسول الله؟ فيقول: لا أسمع. فيقول له مسيلمة: أتسمع هذا ولا تسمع ذاك؟ فيقول: نعم. فجعل يُقَطِّعه عضوا عضوا، كلما سأله لم يزده على ذلك حتى مات في يديه. فقال كعب حين قيل له: اسمه حبيب، وكان والله صاحب يس اسمه حبيب. (٥)

﴿وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ (٢٨) إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (٢٩)﴾.

وقوله: (وَمَا أَنزلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزلِينَ): يخبر تعالى أنه انتقم من قومه بعد قتلهم إياه، غضبًا منه تعالى عليهم؛ لأنهم كذبوا رسله، وقتلوا وليه. ويذكر تعالى: أنه ما أنزل عليهم، وما احتاج في إهلاكه إياهم إلى إنزال جند من الملائكة عليهم، بل الأمر كان أيسر من ذلك. قاله ابن مسعود، فيما رواه ابن إسحاق، عن بعض أصحابه، عنه أنه قال في قوله: (وَمَا أَنزلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزلِينَ) أي: ما كاثرناهم بالجموع الأمر


(١) زيادة من أ.
(٢) في ت: "روى".
(٣) في أ: "بن".
(٤) ورواه الحاكم في المستدرك (٣/ ٦١٥) والطبراني في المعجم الكبير (١٧/ ١٤٨) من طريق ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة بن الزبير، بنحوه. ورواه الطبراني في المعجم الكبير (١٧/ ١٤٨) من طريق موسى بن عقبة، عن الزهري، بنحوه. وقال الهيثمى في المجمع (٩/ ٣٨٦): "وكلاهما مرسل، وإسنادهما حسن".
(٥) رواه الطبري في تفسيره (٢٢/ ١٠٣).