للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم قال ابن جرير: حدثنا ابن حميد، حدثنا الحكم بن بشير، حدثنا عمرو بن قيس، عن أبي إسحاق السَّبِيعي في هذه الآية: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا) الآية، قال أبو إسحاق: أما ما سمعت منذ ستين سنة فكلهم ناج.

ثم قال: حدثنا ابن حميد، حدثنا الحكم، حدثنا عمرو، عن (١) محمد بن الحنفية قال: إنها أمة مرحومة، الظالم مغفور له، والمقتصد في الجنان عند الله، والسابق بالخيرات في الدرجات عند الله.

ورواه الثوري، عن إسماعيل بن سَمِيع، عن رجل، عن محمد بن الحنفية، بنحوه.

وقال أبو الجارود: سألت محمد بن علي -يعني: الباقر-عن قوله: (فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ) فقال: هو الذي خلط عملا صالحا وآخر سيئا.

فهذا ما تيسر من إيراد الأحاديث والآثار المتعلقة بهذا المقام. وإذا تقرر هذا فإن الآية عامة في جميع الأقسام الثلاثة من هذه الأمة، فالعلماء أغبط الناس بهذه النعمة، وأولى الناس بهذه الرحمة، فإنهم كما قال الإمام أحمد، :

حدثنا محمد بن يزيد، حدثنا عاصم بن رجاء بن حَيْوَة (٢)، عن قيس بن كثير قال: قدم رجل من أهل المدينة إلى أبي الدرداء -وهو بدمشق-فقال: ما أقدمك أيْ أخي؟ قال: حديث بلغني أنك تحدث به عن رسول الله . قال أما قدمت لتجارة؟ قال: لا. قال: أما قدمت لحاجة؟ قال: لا؟ قال: أما قدمت إلا في طلب هذا الحديث؟ قال: نعم. قال: فإني سمعت رسول الله يقول: "من سلك طريقا يطلب فيه (٣) علمًا، سلك الله به طريقا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضًا لطالب العلم، (٤) وإنه ليستغفر للعالم مَنْ في السموات والأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب. إن العلماء هم ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر".

وأخرجه (٥) أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، من حديث كثير بن قيس -ومنهم من يقول: قيس بن كثير-عن أبي الدرداء (٦). وقد ذكرنا طرقه واختلاف الرواة فيه في شرح "كتاب العلم" من "صحيح البخاري"، ولله الحمد والمنة.

وقد تقدم في أول "سورة طه" حديث ثعلبة بن الحكم، عن رسول الله قال: "يقول الله تعالى يوم القيامة للعلماء: إني لم أضع علمي وحكمي فيكم إلا وأنا أريد [أن] (٧) أغفر لكم، على ما كان منكم، ولا أبالي". (٨)


(١) في ت: "وعن".
(٢) في ت: "كما روى الإمام أحمد بإسناده".
(٣) في س: "فيها".
(٤) في أ: "العلم رضا بما يصنع".
(٥) في ت: "رواه".
(٦) المسند (٥/ ١٩٦) وسنن أبي داود برقم (٣٦٤١) وسنن الترمذي برقم (٢٦٨٢) وسنن ابن ماجه برقم (٢٢٣).
(٧) زيادة من ت، س، أ.
(٨) تقدم تخريج الحديث عند تفسير الآية (٢) من سورة طه.