للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يقول تعالى لرسوله (١) مذكرًا له ما كان من أمر موسى، كيف اصطفاه الله وكلمه، وناجاه وأعطاه من الآيات العظيمة الباهرة، والأدلة القاهرة، وابتعثه إلى فرعون وملئه، فجحدوا بها وكفروا واستكبروا عن اتباعه والانقياد له، فقال تعالى: (إِذْ قَالَ مُوسَى لأهْلِهِ) أي: اذكر حين سار موسى بأهله، فأضل الطريق، وذلك في ليل وظلام، فآنس من جانب الطور نارًا، أي: رأى نارًا تأجج (٢) وتضطرم، فقال (لأهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ) أي: عن الطريق، (أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) أي: تتدفؤون به. وكان كما قال، فإنه رجع منها بخبر عظيم، واقتبس منها نورًا عظيمًا؛ ولهذا قال تعالى: (فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا) أي: فلما أتاها رأى (٣) منظرًا هائلا عظيمًا، حيث انتهى إليها، والنار تضطرم في شجرة خضراء، لا تزداد النار إلا توقدًا، ولا تزداد الشجرة إلا خضرة ونضرة، ثم رفع رأسه فإذا نورها متصل بعنان السماء.

قال ابن عباس وغيره: لم تكن نارًا، إنما كانت نورًا (٤) يَتَوَهَّج.

وفي رواية عن ابن عباس: نور رب العالمين. فوقف موسى متعجبًا مما رأى، فنودي أن بورك من في النار. قال ابن عباس: [أي] (٥) قُدّس.

(وَمَنْ حَوْلَهَا) أي: من الملائكة. قاله ابن عباس، وعكرمة، وسعيد بن جبير، والحسن، وقتادة.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا يونس بن حبيب، حدثنا أبو داود -[و] (٦) هو الطيالسي -حدثنا شعبة والمسعودي، عن عمرو بن مُرَّة، سمع أبا عُبَيْدة يحدث، عن أبي موسى، ، قال: قال رسول الله : "إن الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل النهار، وعمل النهار قبل الليل (٧). زاد المسعودي: "وحجابه النور -أو النار -لو كشفها لأحْرَقَتْ سُبُحات وجهه كل شيء أدركه بصره". ثم قرأ أبو عُبَيْدة: (أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا) (٨)


(١) في ف، أ: "صلوات الله وسلامه عليه".
(٢) في ف، أ: "تتأجج".
(٣) في ف: "ورأى".
(٤) في ف: "وإنما نور".
(٥) زيادة من ف، أ.
(٦) زيادة من ف، أ.
(٧) في ف: "عمل الليل بالنهار وعمل النهار بالليل".
(٨) ورواه أحمد في مسنده (٤/ ٤٠١) من طريق وكيع عن المسعودي بنحوه.