للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

مقابلة ما تقدم من الكلام السيئ، فإن الحسنات يذهبن السيئات، وامتدح الإسلام وأهله في مقابلة ما كذب (١) بذمه، كما قال عبد الله بن الزبَعْرَى حين أسلم:

يَا رَسُولَ المَليك، إنّ لسَاني … رَاتقٌ مَا فَتَقْتُ إذْ أنا بُورُ

إذْ أجَاري الشَّيْطانَ في سَنن الغَيْ … يِ وَمَن مَالَ مَيْلَه مَثْبُورٌ

وكذلك أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، كان من أشد الناس عداوة للنبي ، وهو ابن عمه، وأكثرهم له هجوًا، فلما أسلم لم يكن أحد أحب إليه من رسول الله ، وكان يمدح رسول الله بعدما كان يهجوه، ويتولاه بعدما كان قد عاداه. وهكذا روى مسلم في صحيحه، عن ابن عباس: أن أبا سفيان صخر بن حرب لما أسلم قال: يا رسول الله، ثلاث أعطنيهن قال: "نعم". قال: معاوية تجعله كاتبا بين يديك. قال: "نعم". قال: وتُؤمرني حتى أقاتل الكفار، كما كنت أقاتل المسلمين. قال: "نعم". وذكر الثلاثة (٢).

ولهذا قال تعالى: (إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا) قيل: معناه: ذكروا الله كثيرًا في كلامهم. وقيل: في شعرهم، وكلاهما صحيح مُكَفّر لما سبق.

وقوله: (وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا) قال ابن عباس: يردون على الكفار الذين كانوا يهجون به المؤمنين. وكذا قال مجاهد، وقتادة، وغير واحد. وهذا كما ثبت في الصحيح: أن رسول الله قال لحسان: "اهجهم -أو قال: هاجهم -وجبريل معك" (٣).

وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا مَعْمَر، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن أبيه أنه قال للنبي : إن الله، ﷿، قد أنزل في الشعّر ما أنزل، فقال: "إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه، والذي نفسي بيده، لكأن ما ترمونهم به نَضْح النبْل" (٤).

وقوله: (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ)، كما قال تعالى: ﴿يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾ [غافر: ٥٢] وفي الصحيح: أن رسول الله قال: "إياكم والظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة" (٥).

وقال قتادة بن دِعَامَة في قوله: (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) يعني: من الشعراء وغيرهم.

وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا إياس بن أبي تميمة، قال: حضرت الحسن وَمُرَّ عليه بجنازة نصراني، فقال الحسن: (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ).

وقال عبد الله بن رَبَاح، عن صفوان بن مُحْرز: أنه كان إذا قرأ هذه الآية -بكى حتى أقول: قد اندق قَضِيب زَوره - (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ).


(١) في ف، أ: "ما كان".
(٢) صحيح مسلم برقم (٢٥٠١).
(٣) صحيح البخاري برقم (٦١٥٣) وصحيح مسلم برقم (٢٤٨٦) من حديث البراء بن عازب، .
(٤) المسند (٦/ ٣٨٧).
(٥) صحيح مسلم برقم (٢٥٧٨) من حديث جابر، ، ولفظه: "اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة".