للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولهذا قال: (فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا) قال مجاهد في قوله: (فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا) قال: ما أخبرتك (١) من شيء فهو كما أخبرتك. وكذا قال ابن جريج.

وقال شمر بن عطية في قوله: (فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا) قال: هذا القرآن خبير به.

ثم قال تعالى منكرا على المشركين الذين يسجدون لغير الله من الأصنام والأنداد: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ)؟ أي: لا نعرف الرحمن. وكانوا ينكرون أن يُسَمّى الله باسمه الرحمن، كما أنكروا ذلك يوم الحديبية حين قال النبي للكاتب: "اكتب بسم الله الرحمن الرحيم" فقالوا: لا نعرف الرحمن ولا الرحيم، ولكن اكتب كما كنت تكتب: باسمك اللهم؛ ولهذا أنزل الله: ﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ [الإسراء: ١١٠] أي: هو الله وهو الرحمن. وقال في هذه الآية: (٢) (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ)؟ أي: لا نعرفه ولا نُقر به؟ (أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا) أي: لمجرد قولك؟ (وَزَادَهُمْ نُفُورًا)، أما (٣) المؤمنون فإنهم يعبدون الله الذي هو الرحمن الرحيم، ويُفْرِدُونه بالإلهية ويسجدون له. وقد اتفق العلماء -على أن هذه السجدة التي في الفرقان مشروع السجودُ عندها لقارئها ومستمعها، كما هو مقرر في موضعه، والله أعلم.

﴿تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا (٦١) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا (٤) (٦٢)﴾.

يقول تعالى ممجدا نفسه، ومعظما على جميل ما خلق في السماء من البروج -وهي الكواكب العظام -في قول مجاهد، وسعيد بن جُبير، وأبي صالح، والحسن، وقتادة.

وقيل: هي قصور في السماء للحرس، يروى هذا عن علي، وابن عباس، ومحمد بن كعب، وإبراهيم النخعي، وسليمان بن مِهْران الأعمش. وهو رواية عن أبي صالح أيضا، والقول الأول أظهر. اللهم إلا أن يكون الكواكب العظام هي قصور للحرس، فيجتمع القولان، كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ﴾ [الملك: ٥]؛ ولهذا قال: (تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا) وهي الشمس المنيرة، التي هي كالسراج في الوجود، كما قال: ﴿وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا﴾ [النبأ: ١٣].

(وَقَمَرًا مُنِيرًا) أي: مضيئا مشرقا بنور آخر ونوع وفن آخر، غير نور الشمس، كما قال: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا﴾ [يونس: ٥]، وقال مخبرا عن نوح، ، أنه قال لقومه: ﴿أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا﴾ [نوح: ١٥ - ١٦].


(١) في أ: "ما أخبرك".
(٢) في ف، أ: "الآية الكريمة".
(٣) في ف، أ: "فأما".
(٤) في أ: "نشورا" وهو خطأ.