للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يخبر تعالى عن جهل المشركين في عبادتهم غير الله من الأصنام، التي لا تملك لهم نفعاً ولا ضرا، بلا دليل قادهم إلى ذلك، ولا حجة أدتهم إليه، بل بمجرد الآراء، والتشهي والأهواء، فهم يوالونهم (١) ويقاتلون في سبيلهم، ويعادون الله ورسوله [والمؤمنون] (٢) فيهم؛ ولهذا قال: (وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا) أي: عونا في سبيل الشيطان على حزب الله، وحزب الله هم الغالبون، كما قال تعالى: ﴿وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ * لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ﴾ [يس: ٧٤ - ٧٥] أي: آلهتهم التي اتخذوها من دون الله لا تملك (٣) لهم نصرا، وهؤلاء الجهلة للأصنام جند محضرون يقاتلون عنهم، ويَذبُّون عن حَوْزتهم، ولكن العاقبة والنصرة لله ولرسوله في الدنيا والآخرة.

قال مجاهد: (وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا) قال: يظاهر الشيطان على معصية الله، يعينه.

وقال سعيد بن جبير: (وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا) يقول: عوناً للشيطان على ربه بالعداوة والشرك.

وقال زيد بن أسلم: (وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا) قال: مواليا.

﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (٥٦) قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلا (٥٧) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا (٥٨) الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا (٥٩) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا (٦٠)﴾.

ثم قال تعالى لرسوله، صلوات الله وسلامه عليه: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا) أي: بشيراً للمؤمنين ونذيراً للكافرين، مبشرا بالجنة لمن أطاع الله، ونذيراً بين يدي عذاب شديد لمن خالف أمر الله.

(قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ) أي: على هذا البلاغ وهذا الإنذار من أجرة أطلبها من أموالكم، وإنما أفعل ذلك ابتغاء وجه الله، ﴿لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ﴾ [التكوير: ٢٨] (إِلا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلا) أي: طريقا ومسلكا ومنهجا ُيقتدى فيها بما جئت به.

ثم قال: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ) أي: في أمورك كلها كُن متوكلا على الله الحي الذي لا يموت أبدا، الذي هو ﴿الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [الحديد: ٣] الدائم الباقي السرمدي الأبدي، الحي القيوم ربّ كل شيء ومليكه، اجعله ذُخْرك وملجأك، وهو الذي يُتَوكل عليه ويفزع إليه، فإنه كافيك وناصرك ومؤيدك ومظفرك، كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ [المائدة: ٦٧].


(١) في أ: "والتشهي فيهم يوالون لهم".
(٢) زيادة من أ.
(٣) في أ: "لا يملكون".