للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بمعنى فاعل، أو: إنه مبني للمبالغة أو التعدي، فعلى كل منهما (١) إشكالات من حيث اللغة والحكم، ليس (٢) هذا موضع بسطها، والله أعلم.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عمر بن حفص بن غياث، حدثنا أبي، عن أبي جعفر الرازي، حدثني حُمَيد الطويل، عن ثابت البناني قال: دخلت مع أبي العالية في يوم مطير، وطرق البصرة قذرة، فصلى، فقلت له، فقال: (وَأَنزلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا) قال: طهره ماء السماء.

وقال أيضا: حدثنا أبي، حدثنا أبو سلمة، حدثنا وُهَيب (٣) عن داود، عن سعيد بن المسيب في هذه الآية: (وَأَنزلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا) [قال: أنزله الله ماءً طاهراً] (٤) لا ينجسه شيء.

وعن أبي سعيد قال: قيل: يا رسول الله، أنتوضأ من بئر بضاعة؟ -وهي بئر يُلقَى فيها النَّتَن، ولحوم الكلاب -فقال: "إن الماء طهور لا ينجسه شيء" رواه الشافعي، وأحمد وصححه، وأبو داود، والترمذي وحسنه، والنسائي (٥).

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو الأشعث، حدثنا معتمر، سمعت أبي يحدث عن سَيَّار، عن خالد بن يزيد، قال: كان عند عبد الملك بن مروان، فذكروا الماء، فقال خالد بن يزيد: منه من السماء، ومنه ما يسقيه الغيم من البحر فَيُعْذِبه الرعد والبرق. فأما ما كان من البحر، فلا يكون له نبات، فأما النبات فمما كان من السماء.

وروي عن عكرمة قال: ما أنزل الله من السماء قطرة إلا أنبت بها في الأرض عشبة أو في البحر لؤلؤة. وقال غيره: في البر بُر، وفي البحر دُرّ.

وقوله: (لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا) أي: أرضا قد طال انتظارها للغيث، فهي هامدة لا نبات فيها ولا شيء. فلما جاءها الحيا عاشت واكتست رباها أنواع الأزاهير والألوان، كما قال تعالى: ﴿فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾ [الحج: ٥].

(وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا) أي: وليشرب منه الحيوان من أنعام وأناسي محتاجين إليه غاية الحاجة، لشربهم وزروعهم وثمارهم، كما قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ﴾ [الشورى: ٢٨] وقال تعالى: ﴿فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [الروم: ٥٠].

وقوله: (وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا) أي: أمطرنا هذه الأرض دون هذه، وسقنا السحاب فمر على الأرض وتعداها وجاوزها إلى الأرض الأخرى، [فأمطرتها وكفتها فجعلتها عذقا، والتي وراءها] (٦) لم ينزل فيها قطرة من ماء، وله في ذلك الحجة البالغة والحكمة القاطعة.


(١) في أ: "منها".
(٢) في ف، أ: "وليس".
(٣) في أ: "وهب".
(٤) زيادة من ف، أ.
(٥) الأم للشافعي (١/ ٩) والمسند (٣/ ١٥) وسنن أبي داود برقم (٦٦) وسنن الترمذي برقم (٦٦) وسنن النسائي (١/ ١٧٤).
(٦) زيادة من ف، أ.