للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يحبه ويرضاه، إنه كريم وهاب.

وقوله: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ) أي: كما حصل لك -يا محمد -في قومك من الذين هجروا القرآن، كذلك كان في الأمم الماضين؛ لأن الله جعل لكل نبي عدوا من المجرمين، يدعون الناس إلى ضلالهم وكفرهم، كما قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ﴾ [الأنعام: ١١٢ - ١١٣]؛ ولهذا قال هاهنا: (وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا) أي: لمن اتبع رسوله، وآمن بكتابه وصدقه واتبعه، فإن الله هاديه وناصره في الدنيا والآخرة. وإنما قال: (هَادِيًا وَنَصِيرًا) لأن المشركين كانوا يصدون الناس عن اتباع القرآن، لئلا يهتدي أحد به، ولتغلب طريقتهم طريقة القرآن؛ فلهذا قال: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا).

﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلا (٣٢)

يقول تعالى مخبراً عن كثرة اعتراض الكفار وتعنتهم، وكلامهم فيما لا يعنيهم، حيث قالوا: (لَوْلا نزلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً) أي: هلا أنزل عليه هذا الكتاب الذي أوحي إليه جملة واحدة، كما نزلت الكتب قبله، كالتوراة والإنجيل والزبور، وغيرها من الكتب الإلهية. فأجابهم الله عن ذلك بأنه إنما أنزل منجما في ثلاث وعشرين سنة بحسب الوقائع والحوادث، وما يحتاج إليه من الأحكام لتثبيت (١) قلوب المؤمنين به كما قال: ﴿وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلا﴾ [الإسراء: ١٠٦]؛ ولهذا قال: (لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلا). قال قتادة: وبيناه تبيينا. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: وفسرناه تفسيرا.

﴿وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا (٣٣) الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلا (٣٤)﴾.

(وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ) أي: بحجة وشبهة (إِلا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا) أي: ولا يقولون قولا يعارضون به الحق، إلا أجبناهم (٢) بما هو الحق في نفس الأمر، وأبين وأوضح وأفصحُ من مقالتهم.

قال (٣) سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ) أي: بما يلتمسون به عيب القرآن والرسول (إِلا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا) أي: إلا نزل جبريل مِنَ الله بجوابهم.

ثم في هذا اعتناء كبير؛ لشرف الرسول، صلوات الله وسلامه عليه (٤)، حيث كان يأتيه الوحي من الله بالقرآن صباحا ومساء، ليلا ونهارا، سفرا وحضرا، فكل مرة كان يأتيه الملك بالقرآن كإنزال كتاب مما قبله من الكتب المتقدمة، فهذا المقام أعلى (٥) وأجلُّ، وأعظم مكانة من سائر إخوانه من الأنبياء، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. فالقرآن أشرف كتاب أنزله الله، ومحمد، صلوات


(١) في أ: "ليثبت"
(٢) في أ: "جئناهم".
(٣) في ف: "ثنا".
(٤) في ف: "عليه وسلامه".
(٥) في أ: "لعلي".