للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله: (قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ) إرشاد إلى أن الأحسن في مثل هذا المقام رد العلم إلى الله تعالى، إذ لا احتياج إلى الخوض في مثل ذلك بلا علم، لكن إذا أطلعنا على أمر قلنا به، وإلا وَقَفْنَا حيث وقفنا.

وقوله: (مَا يَعْلَمُهُمْ إِلا قَلِيلٌ) أي: من الناس. قال قتادة: قال ابن عباس: أنا من القليل الذي استثنى الله، ﷿، كانوا سبعة. وكذا روى ابن جريج، عن (١) عطاء الخراساني عنه أنه كان يقول: أنا ممن استثنى الله، ويقول: عدتهم سبعة.

وقال ابن جرير: حدثنا ابن بشار (٢) حدثنا عبد الرحمن، حدثنا إسرائيل، عن سِمَاك، عن عكرمة، عن ابن عباس: (مَا يَعْلَمُهُمْ إِلا قَلِيلٌ) قال: أنا من القليل، كانوا سبعة.

فهذه أسانيد صحيحة إلى ابن عباس: أنهم كانوا سبعة، وهو موافق لما قدمناه.

وقال محمد بن إسحاق بن يَسَار عن عبد الله بن أبي نَجِيح، عن مجاهد قال: لقد حُدّثتُ أنه كان على بعضهم من حداثة سنه وَضَح الوَرِق. قال ابن عباس: فكانوا كذلك ليلهم ونهارهم في عبادة الله، يبكون (٣) ويستغيثون بالله، وكانوا ثمانية نفر: مكسلمينا (٤) وكان أكبرهم وهو الذي كلم الملك عنهم، ومجسيميلنينا وتمليخا (٥) ومرطونس، وكشطونس، وبيرونس، وديموس، ويطونس وقالوش.

هكذا وقع في هذه الرواية، ويحتمل (٦) هذا من كلام ابن إسحاق، أو من بينه وبينه، فإن الصحيح عن ابن عباس أنهم كانوا سبعة، وهو ظاهر الآية. وقد تقدم عن شعيب الجبائي أن اسم كلبهم حمران (٧)، وفي تسميتهم بهذه (٨) الأسماء واسم كلبهم نظر في صحته، والله أعلم؛ فإن غالب ذلك مُتَلَقَّى من أهل الكتاب، وقد قال تعالى: (فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلا مِرَاءً ظَاهِرًا) أي: سهلا هينًا؛ فإن الأمر في معرفة (٩) ذلك لا يترتب عليه كبير (١٠) فائدة (وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا) أي: فإنهم لا علم لهم بذلك إلا ما يقولونه من تلقاء أنفسهم رجما بالغيب، من غير استناد إلى كلام معصوم، وقد جاءك الله يا محمد بالحق الذي لا شك فيه ولا مرية، فهو المقدم الحاكم على كل ما تقدمه (١١) من الكتب والأقوال.

﴿وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (٢٣) إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (٢٤)

هذا إرشاد من الله لرسوله صلوات الله وسلامه عليه، إلى الأدب فيما إذا عزم على شيء ليفعله في المستقبل، أن يرد ذلك إلى مشيئة الله، ﷿، علام الغيوب، الذي يعلم ما كان وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون، كما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة، ، عن رسول الله أنه [قال] (١٢) قال سليمان بن داود : لأطوفن الليلة على


(١) في ت: "ابن".
(٢) في ت: "يسار".
(٣) في ت،، ف، أ: "يتلون".
(٤) في هـ: "مكيليممنينا"، والمثبت من ت، ف، أ.
(٥) في ف: "شمليخا".
(٦) في ف، أ: "ويحتمل أن يكون".
(٧) في ت: "خمران".
(٨) في ت: "بهذا".
(٩) في ت: "معرفته".
(١٠) في ف: "كثير".
(١١) في ف: "على من تقدمه".
(١٢) زيادة من ت، ف، أ.