للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وهذا بيّن لمن تأمله وكان له علم بمعرفة الهيئة، وسير الشمس والقمر والكواكب، وبيانه (١) أنه (٢) لو كان باب الغار من ناحية الشرق (٣) لما دخل إليه منها شيء عند الغروب، ولو كان من ناحية القبلة لما دخل منها شيء عند الطلوع ولا عند الغروب، ولا تزاور الفيء يمينًا ولا شمالا ولو كان من جهة الغرب (٤) لما دخلته وقت الطلوع، بل بعد الزوال ولم تزل فيه إلى الغروب. فتعين (٥) ما ذكرناه ولله الحمد.

قال ابن عباس ومجاهد وقتادة: (تَقْرِضُهُمْ) تتركهم.

وقد أخبر الله تعالى بذلك وأراد منا فهمه وتدبره، ولم يخبرنا بمكان هذا الكهف في أي البلاد من الأرض؛ إذ لا فائدة لنا فيه ولا قصد (٦) شرعي. وقد تكلف بعض المفسرين فذكروا فيه أقوالا فتقدم عن ابن عباس أنه قال: [هو] (٧) قريب من أيلة. وقال ابن إسحاق: هو عند نِينَوَى. وقيل: ببلاد الروم. وقيل: ببلاد البلقاء. والله أعلم بأي بلاد الله هو. ولو كان لنا فيه مصلحة دينية لأرشدنا الله ورسوله إليه (٨) فقد قال رسول الله : "ما تركت شيئًا يقربكم إلى [الجنة] (٩) ويباعدكم من النار، إلا وقد أعلمتكم به". فأعلمنا تعالى بصفته، ولم يعلمنا بمكانه، فقال (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ) قال مالك، عن زيد بن أسلم: تميل (ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ) أي: في متسع منه داخلا بحيث لا تمسهم؛ إذ لو أصابتهم لأحرقت أبدانهم وثيابهم (١٠) قاله ابن عباس.

(ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ) حيث أرشدهم تعالى إلى هذا الغار الذي جعلهم فيه أحياء، والشمس والريح تدخل عليهم فيه لتبقى أبدانهم؛ ولهذا قال: (ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ)

ثم قال: (مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا) أي: هو الذي أرشد هؤلاء الفتية إلى الهداية من بين قومهم، فإنه من هداه الله اهتدى، ومن أضله فلا هادي له.

﴿وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (١٨)

ذكر بعض أهل العلم أنهم لما ضرب الله على آذانهم بالنوم، لم تنطبق (١١) أعينهم؛ لئلا (١٢) يسرع إليها البلى، فإذا بقيت ظاهرة للهواء كان أبقى لها؛ ولهذا قال تعالى: (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ) وقد ذكر عن الذئب أنه ينام فيطبق عينًا ويفتح عينًا، ثم يفتح هذه ويطبق هذه وهو راقد، كما قال الشاعر (١٣)


(١) في ت: "فبانه".
(٢) في ف: "أن".
(٣) في ف، أ: "المشرق".
(٤) في أ: "المغرب".
(٥) في ت: "فتعى".
(٦) في ت: "ولا تضر".
(٧) زيادة من ف.
(٨) في ت: "الله".
(٩) زيادة من ف، وفي ت: "الله".
(١٠) في ت: "ثيابهم وأبدانهم"، وفي ف، أ: "ثيابهم وأجسادهم".
(١١) في ت: "تطبق".
(١٢) في ت: "كيلا".
(١٣) هو حميد بن ثور، والبيت في ديوانه (ص ١٠٤) أ. هـ مستفادا من حاشية ط الشعب.