للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الإحسان إلى المخلوقين بالنفع المتعدي إليهم، وأولى الناس بذلك القرابات والأهلون والمماليك، ثم الأجانب، فكل من النفقات الواجبة والزكاة المفروضة داخل في قوله تعالى: (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) ولهذا ثبت في الصحيحين عن ابن عمر: أن رسول الله قال: "بُنِيَ الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت" (١). والأحاديث في هذا كثيرة.

وأصل الصلاة في كلام العرب الدعاء، قال الأعشى:

لها حارس لا يبرحُ الدهرَ بَيْتَها … وإن ذُبحَتْ صلى عليها وزَمْزَما (٢)

وقال أيضًا (٣)

وقابلها الريح في دَنّها … وصلى على دَنّها وارتسم (٤)

أنشدهما ابن جرير مستشهدا على ذلك.

وقال الآخر -وهو الأعشى أيضًا-:

تقول بنتي وقد قَرَّبتُ مرتحلا … يا رب جنب أبي الأوصابَ والوَجَعَا

عليكِ مثلُ الذي صليتِ فاغتمضي … نوما فإن لِجَنب المرء مُضْطجعا

يقول: عليك من الدعاء مثل الذي دعيته لي. وهذا ظاهر، ثم استعملت الصلاة في الشرع في ذات الركوع والسجود والأفعال المخصوصة في الأوقات المخصوصة، بشروطها المعروفة، وصفاتها، وأنواعها [المشروعة] (٥) المشهورة.

وقال ابن جرير: وأرى أن الصلاة المفروضة سميت صلاة؛ لأن المصلي يتعرض لاستنجاح طلبتَه من ثواب الله بعمله، مع ما يسأل ربه من (٦) حاجته (٧).

[وقيل: هي مشتقة من الصلَوَيْن إذا تحركا في الصلاة عند (٨) الركوع، وهما عرقان يمتدان من الظهر حتى يكتنفا (٩) عجب الذنب، ومنه سمي المصلي؛ وهو الثاني للسابق في حلبة الخيل، وفيه نظر، وقيل: هي مشتقة من الصلى، وهو الملازمة للشيء من قوله: ﴿لا يَصْلاهَا﴾ أي: يلزمها ويدوم فيها ﴿إِلا الأَشْقَى﴾ [الليل: ١٥] وقيل: مشتقة من تصلية الخشبة في النار لتقوّم، كما أن المصلي يقوّم عوجه بالصلاة: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ [العنكبوت: ٤٥] واشتقاقها من الدعاء أصح وأشهر، والله أعلم] (١٠).

وأما الزكاة فسيأتي الكلام عليها في موضعه، إن شاء الله.


(١) صحيح البخاري برقم (٨) وصحيح مسلم برقم (١٦).
(٢) البيت في تفسير الطبري (١/ ٢٤٢).
(٣) في ب: "الآخر".
(٤) البيت في تفسير الطبري (١/ ٢٤٢).
(٥) زيادة من ط.
(٦) في جـ، ط، ب، أ، و: "فيها".
(٧) في أ، و: "حاجاته".
(٨) في أ: "في".
(٩) في أ: "يكشفا".
(١٠) زيادة من جـ، ط، ب، أ، و.