للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[وقال السدي: (وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا) قال: أنت واحد] (١).

[وقال أبو روق: (وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا) يعنون: ذليلا؛ لأن عشيرتك ليسوا على دينك، فأنت ذليل ضعيف] (٢).

(وَلَوْلا رَهْطُكَ) أي: قومك وعشيرتك؛ لولا معزة قومك علينا لرجمناك، قيل (٣) بالحجارة، وقيل: لسبَبْنَاك، (وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ) أي: ليس لك عندنا معزة.

قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ) يقول: أتتركوني لأجل قومي، ولا تتركوني إعظاما لجناب الله أن تنالوا نبيه بمساءة. وقد اتخذتم جانب الله (وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا) أي: نبذتموه خلفكم، لا تطيعونه ولا تعظمونه، (إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) أي: هو يعلم جميع أعمالكم وسيجزيكم بها.

﴿وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (٩٣) وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (٩٤) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ (٩٥)

لما يئس نبيّ الله شعيب من استجابة قومه له، قال: يا قوم، (اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ) أي: على طريقتكم، وهذا تهديد ووعيد شديد، (إِنِّي عَامِلٌ) على طريقتي ومنهجي (سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ) أي: في الدار الآخرة، (وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ) أي: مني ومنكم، (وَارْتَقِبُوا) أي: انتظروا (إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ).

قال الله تعالى: (وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا) وهم قومه، (الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ) وقوله (جَاثمِيِنَ) أي: هامدين لا حِرَاك بهم. وذكر هاهنا أنه أتتهم صيحة، وفي الأعراف رجفة، وفي الشعراء عذاب يوم الظلة، وهم أمة واحدة، اجتمع عليهم يوم عذابهم هذه النقَمُ كلها. وإنما ذكر في كل سياق ما يناسبه، ففي الأعراف لما قالوا: ﴿لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا﴾ [الأعراف: ٨٨]، ناسب أن يذكر هناك الرجفة، فرجفت بهم الأرض التي ظلموا بها، وأرادوا إخراج نبيهم منها، وهاهنا لما أساءوا الأدب في مقالتهم على نبيهم ناسب ذكر الصيحة التي أسكتتهم (٤) وأخمدتهم، وفي الشعراء لما قالوا: ﴿فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ [الشعراء: ١٨٧]، قال ﴿فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ [الشعراء: ١٨٩]، وهذا من الأسرار الغريبة الدقيقة، ولله الحمد والمنة كثيرًا دائمًا.


(١) زيادة من ت، أ.
(٢) زيادة من ت، أ.
(٣) في ت: "قتل".
(٤) في ت، أ: "أسكنتهم".