فَمَنْ شَهِدَنِي لَمْ يَذْكُرْ، وَمَنْ ذَكَرَنِي لَمْ يَشْهَدْ.
قَالَ: فَقَوْلُهُ " مَنْ ذَكَرَنِي لَمْ يَشْهَدْ " هُوَ نَفْسُ قَوْلِ صَاحِبِ الْمَنَازِلِ: عَلَى أَنَّ هَذَا الرَّمْزَ فِي ذَلِكَ التَّوْحِيدِ عِلَّةٌ لَا يَصِحُّ ذَلِكَ التَّوْحِيدُ إِلَّا بِإِسْقَاطِهَا.
وَحَقِيقَةُ ذَلِكَ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّوْحِيدُ إِلَّا بِإِسْقَاطِ التَّوْحِيدِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الرَّمْزَ وَالْإِشَارَةَ وَالْخَبَرَ هُوَ عَنْ نَفْسِ التَّوْحِيدِ، فَهُوَ تَوْحِيدٌ نُطْقِيٌّ خَبَرِيٌّ مُطَابِقٌ لِلتَّوْحِيدِ الْمَعْلُومِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ، فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ التَّوْحِيدُ إِلَّا بِإِسْقَاطِ ذَلِكَ كَانَتْ حَقِيقَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّوْحِيدُ إِلَّا بِإِسْقَاطِ التَّوْحِيدِ.
ثُمَّ قَالَ: هَذَا قُطْبُ الْإِشَارَةِ إِلَيْهِ عَلَى أَلْسُنِ عُلَمَاءِ هَذَا الطَّرِيقِ، وَإِنْ زَخْرَفُوا لَهُ نُعُوتًا، وَفَصَّلُوهُ فُصُولًا، يَعْنِي: أَنَّ قَوْلَهُمُ التَّوْحِيدُ هُوَ إِسْقَاطُ الْحَدَثِ وَإِثْبَاتُ الْقِدَمِ هُوَ قُطْبُ مَدَارَاتِ الْإِشَارَاتِ إِلَى التَّوْحِيدِ عِنْدَ هَذِهِ الطَّائِفَةِ، وَمَعَ هَذَا فَلَا يَصِحُّ التَّوْحِيدُ إِلَّا بِإِسْقَاطِ مَا قَالُوهُ، وَلِذَلِكَ قَالَ: فَإِنَّ ذَلِكَ التَّوْحِيدَ تَزِيدُهُ الْعِبَارَةُ خَفَاءً، وَالصِّفَةُ نُفُورًا، وَالْبَسْطُ صُعُوبَةً.
فَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يَصِحَّ إِلَّا بِإِسْقَاطِ الْإِشَارَةِ وَالصِّفَةِ وَالْبَسْطِ: كَانَتِ الْعِبَارَةُ عَنْهُ لَا تَزِيدُهُ إِلَّا خَفَاءً، وَلَا الصِّفَةُ إِلَّا نِفَارًا، أَيْ هُرُوبًا وَذِهَابًا، وَالْبَسْطُ وَالْإِيْضَاحُ لَا يَزِيدُهُ إِلَّا صُعُوبَةً؛ لِكَثْرَةِ الْإِشَارَاتِ وَالْعِبَارَاتِ.
قَوْلُهُ: " وَإِلَى هَذَا التَّوْحِيدِ: شَخَصَ أَهْلُ الرِّيَاضَةِ، وَأَرْبَابُ الْأَحْوَالِ - أَيْ تَطَلَّعَتْ قُلُوبُهُمْ - وَإِلَيْهِ قَصَدَ أَهْلُ التَّعْظِيمِ، وَإِيَّاهُ عَنَى الْمُتَكَلِّمُونَ فِي عَيْنِ الْجَمْعِ، وَعَلَيْهِ تَصْطَلِمُ الْإِشَارَاتُ، ثُمَّ لَمْ يَنْطِقْ عَنْهُ لِسَانٌ، وَلَمْ تُشِرْ إِلَيْهِ عِبَارَةٌ.
فَيُقَالُ: يَالَلَّهِ الْعَجَبَ! مَا هَذَا السِّرُّ الَّذِي مَا تَكَلَّمَ اللَّهُ بِهِ، وَلَا أَشَارَ إِلَيْهِ رَسُولُهُ، وَلَا نَالَتْهُ إِشَارَةٌ، وَلَا قَامَتْ بِهِ عِبَارَةٌ، وَلَا أَشَارَ إِلَيْهِ مُكَوِّنٌ، وَلَا تَعَاطَاهُ حِينٌ، وَلَا أَقَلَّهُ سَبَبٌ؟ ؟ ! فَهَذِهِ الْعُقُولُ حَاضِرَةٌ، وَهَذِهِ الْمَعَارِفُ، وَهَذَا كَلَامُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، بَلْ سَائِرُ كُتُبِ اللَّهِ، وَكَلَامُ سَادَاتِ الْعَارِفِينَ مِنَ الْأُمَّةِ، فَمَا هَذَا الْحَقُّ الْمُحَالُ بِهِ؟ وَعَلَى مَنْ وَقَعَتْ هَذِهِ الْحِوَالَةُ؟ فَإِنَّكُمْ أَحَلْتُمْ بِمَا لَا يَنْطِقُ عَنْهُ لِسَانٌ وَلَمْ تُشِرْ إِلَيْهِ عِبَارَةٌ، وَلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute