وقال في شرحه للحديث:"وجه الدلالة منه على الكفالة تحدث النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وتقريره له وإنما ذكر ذلك ليتأسى به فيه، وإلا لم يكن لذكره فائدة "(١) .
ثالثا: في كتاب الكفالة من صحيح البخاري أيضا نجد "باب من تكفل عن ميت دينا فليس، له أن يرجع، وبه قال الحسن". ويضم الباب حديثين: أحدهما: عن سلمة ابن الأكوع رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بجنازة ليصلي عليها فقال: هل عليه من دين؟ قالوا: لا، فصلى عليه ثم أتى بجنازة أخرى فقال: هل عليه من دين؟ قالوا: نعم قال: فصلوا على صاحبكم. قال أبو قتادة: علي دينه يا رسول الله، فصلى عليه" والآخر عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: (قال النبي صلى الله عليه وسلم لو قد جاء مال البحرين قد أعطيتك هكذا هكذا، فلم يجيء مال البحرين حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم فلما جاء مال البحرين أمر أبو بكر فنادى: من كان له عند النبي صلى الله عليه وسلم عدة أودين فليأتنا، فأتيته فقلت: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لي كذا وكذا. فحثى لي حثية، فعددتها فإذا هي خمسمائة؟ وقال خذ مثليها". وبعد الحديثين قال ابن حجر:
قوله (باب من تكفل عن ميت دينا فليس له أن يرجع، وبه قال الحسن) يحتمل قوله " فليس له أن يرجع " أي عن الكفالة بل هي لازمة له " وقد استقر الحق في ذمته، ويحتمل أن يريد فليس له أن يرجع في التركة بالقدر الذي تكفل به، والأول أليق بمقصوده. ثم أشار إلى الحديث الأول وقال:
ووجه الأخذ منه أنه لو كان لأبي قتادة أن يرجع لما صلى النبي صلى الله عليه وسلم على المديان حتى يوفي أبو قتادة الدين لاحتمال أن يرجع، فيكون قد صلى على مديان دينه باق عليه فدل على أنه ليس له أن يرجع. واستدل به على جواز ضمان ما على الميت من دين ولم يترك وفاء، وهو قول الجمهور خلافا لأبى حنيفة وقد بالغ الطحاوي في نصرة قول الجمهور، ثم أورد فيه حديث جابر.