للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والراجح هو رأي الجمهور، وذلك لما روى البخاري ومسلم بسندهما عن مالك بن أوس أنه التمس صرفًا بمائة دينار، فدعاني طلحة بن عبيد الله فتراوضنا، حتى اصطرف مني، فأخذ الذهب يقلبها في يده، ثم قال: حتى يأتي خازني من الغابة، وعمر يسمع ذلك، فقال: والله لا تفارقه حتى تأخذ منه، قال رسول الله: " الذهب بالذهب إلا هاء وهاء ..." (١) وجه الاستدلال أن عمر فسر حديث النبي صلى الله عليه وسلم: ((إلا هاء وهاء)) بأن لا يتفرقا في المجلس، قال ابن الأثير: "هاء وهاء" هو أن يقول كل واحد من المتابعين: هاء فيعطيه ما في يده كالحديث الآخر: "يدًا بيد" يعني مقابضة في المجلس (٢) . وذكر المزني أن حديث عمر هذا وإن كان يحتمل القبض الفوري والقبض في المجلس، لكن تفسيره من خلال قوله لمالك بن أوس: "لا تفارق حتى تعطيه ورقه أو ترد إليه ذهبه" يدل على أن المراد به التقابض في المجلس (٣) .

وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ((يدًا بيد)) (٤) فلا يدل على اشتراط القبض الفوري بعد العقد مباشرة حتى وإن ظل المجلس قائمًا، وكذلك لا يدل على اشتراط القبض باليد، وإنما المقصود به أن يتم القبض الفعلي في المجلس، قال الخطابي في شرح هذه الأحاديث: "فيه بيان أن التقابض شرط في صحة البيع في كل ما يجري فيه الربا من ذهب وفضة وغيرهما من المطعوم وإن اختلف الجنسان"، وقال شراح الحديث: "يدًا بيد"، أي: حالًّا مقبوضًا في المجلس قبل افتراق أحدهما عن الآخر (٥) .

بل إن جماعة من شراح الحديث فسروا "يدًا بيد" أي: عينًا بعين، بدليل رواية لمسلم بلفظ "عينًا بعين" (٦) بدل ذلك، أي لا يكون عينًا بدين أو دينًا بدين، لأن ذلك ربا.


(١) صحيح البخاري – مع الفتح – كتاب البيوع: ٤/٣٧٧ ومسلم، المساقاة: ٣/١٢٠٩.
(٢) فتح الباري: ٤/٣٨٠.
(٣) مختصر المزني بهامش الأم: ٢/١٣٨.
(٤) روى مسلم في صحيحه: ٣/١٢١١، وغيره بلفظ "الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والملح بالملح مثلًا بمثل، يدًا بيد ...".
(٥) عون المعبود شرح سنن أبي داود: ٩/١٩٩، وتكملة المجموع لابن السبكي: ١٠/٩٦.
(٦) صحيح مسلم، المساقاة: ٣/١٢١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>