تفسير الشرطين المنهي عنهما وحكم اشتراطهما- عند الحنابلة-:
اختلف في تفسير الشرطين المنهي عنهما- عند الحنابلة- نظرًا لاختلاف ما روي عن الإمام أحمد، والأرجح في المذهب أن الشرطين المنهي عنهما، هما الشرطان الفاسدان، أي ما كنا منافيين لمقتضى العقد. أما الشروط الصحيحة التي تكون من مقتضى العقد، أو من مصلحته، أو فيها منفعة ولا تخالف الشرع، فإن اشتراط شرطين أو أكثر منها صحيح لا يفسد العقد، لأنه لما كانت هذه الشروط لا تؤثر في صحة العقد وهي منفردة فيلزم ألا تؤثر فيه وهي مجتمعة.
وبناء على هذا التفسير يفسد العقد إذا اشترط فيه شرطان فاسدان، ولا يفسد إذا كان الشرطان صحيحين، ويكون الفرق بين اشتراط شرط فاسد واحد، واشتراط شرطين فاسدين هو عدم فساد العقد في الأول – مع فساد الشرط - وفساد العقد في الثاني.. مع شروطه.
أما الرأي المرجوح في مذهب الحنابلة فهو ما قاله القاضي في المحرر: (من أن ظاهر كلام أحمد أنه متى شرط في العقد شرطين بطل، سواء كانا صحيحين أو فاسدين، لمصلحة العقد، أو لغير مصلحته، أخذ من ظاهر الحديث وعملًا بعمومه) . إلا أن ابن قدامة رد عليه بقوله: (وقول القاضي أن النهي يبقي على عمومه في كل شرطين بعيد أيضًا، فإن شرط ما يقتضيه العقد لا يؤثر فيه بغير خلاف، وشرط ما هو من مصلحة العقد كالأجل والخيار والرهن والضمين..، وشرط صفة في المبيع كالكتابة والصناعة، فيه مصلحة العقد فلا ينبغي أن تؤثر في بطلانه قلت أو كثرت، ولم يذكر أحمد في هذه المسألة شيئًا من هذا القسم، فالظاهر أنه غير مراد له) .
وبناءً على هذا التفسير لحديث النهي عن شرطين في بيع، يكون المراد بالشرطين المنهي عن اشتراطهما في البيع الشرطين الفاسدين فأكثر، فاشتراط مثل هذه الشروط يفسد العقد. أما الشروط الصحيحة- شرطًا واحدًا أو أكثر- فإنها تصح ويصح العقد معها.
وهذا ما أرجحه في تفسير حديث النهي عن شرطين في بيع (١) .
النتيجة:
وإذا قلنا بصحة اشتراط شرط أو أكثر في عقد الإجارة، أو غيره من عقود المعاوضات، فهل يمكن تحت ظل هذه الشروط وعلى ضوء ما تفصح عنه أن يكيف عقد الإجارة بأنه عقد بيع، أو العكس..، أو بعبارة أخرى: هل يمكن أن نكيف العقد طبقًا لما توحي به صيغته وما اقترن بها من شروط، وإن كان ما نطلق به المتعاقدان أو صرح به يدل على غير ذلك.
وهنا في (الإيجار المنتهي بالتمليك) يوجد صور لا يتأتى فيها اختلاف في التكييف، وهي صورة ما إذا كان للمبيع ثمن معقول في نهاية مدة عقد الإجارة، حدده المتعاقدان أو أحالاه إلى سعر السوق في هذا الوقت..
أما إذا لم يكن هناك ثمن سوى الأقساط الإيجارية التي تم دفعها خلال المدة المحددة للإجارة، فإنه يمكن النظر حينئذ في هذه الصورة، هل تكيف على أنها عقد بيع فيجب أن تتوافر فيه عند التعاقد أركانه وشروطه، أو تكيف على أنها عقد إجارة، اقترن به عقد هبة بالعين المؤجرة إذا تم سداد الأقساط الإيجارية، ونبحث ذلك فيما يلى..
(١) وقد تناولت وجه الترجيح بإفاضة في (نظرية الشرط) ، للباحث: ص٥٣١.