ملاحظات قصيرة جدًّا أبتدئها بملاحظة عامة، هو أنه من حسن الحظ أن الاجتهاد بالأمس كان اجتهاد عالم واحد؛ إذ لم يثبت تاريخيًّا أن علماء المسلمين اجتمعوا أو جلهم في مختلف المذاهب من أجل اتخاذ اجتهاد في نازلة حدثت مشاكلها للأمة نتيجة التطور المطرد، ومع ذلك فقد بقي الاجتهاد من المصادر المسلم بها لدى علماء المسلمين من مختلف المذاهب، فهذه واقعة لا أظن أن أحدًا يجادل فيها؛ ولذا يكون أفضل اجتهاد – في نظري – يمكن أن يترك للأجيال، أجيال المسلمين، أو يمكن أن يعتمد عليه الحاضرون هو اجتهاد يصدر عن مثل هذا الجمع الذي استقطب كثيرًا من علماء المسلمين من مختلف مذاهبهم، ومن هنا فمسؤولية علماء هذا المجمع ليست في تلخيص النظريات وتجميع أقوال الفقهاء، وإنما هي في إيجاد القواعد الجديدة للمشاكل المتجددة.
ومن هنا فإرجاء المواضيع أو تركها للخلاف أو التعصب فيها للآراء التفسيرية أو الاجتهادية، تكون تقصيرًا في الأحوال التي لم تستند أحكامها الماضية على نص صريح من الكتاب أو السنة، وقد سمعت من بعض الباحثين أنه يقترح ترك تقرير بيع أو عدم بيع الحقوق التجارية إلى الحاكم والحاكم لا يمكن أن يستند إلا على فتوى العلماء، والعلماء في أي قطر من الأقطار الإسلامية لا يمكن أن يجدوا فتوى استقطبت كل النظريات الفقهية، وراعت المصالح العامة للمسلمين أكثر من هذا الذي يمكن أن نخرج به من هذا المجمع الموقر.
هذه ملاحظة عامة: أسوقها لأقول بأنني أتفق مع الأستاذ الباحث وهبة الزحيلي، فيما قاله وما لخصه من فتاوى الإخوة الذين تكلموا في الموضوع أو الذين كتبوا عنه، إلا أنني أريد أن أبين أن الحقوق حسب تعريف القوانين الوضعية انقسمت إلى ثلاثة: حق عيني، وهو الذي يبيح سلطة لمالكه تخوله سلطة التصرف والاستغلال والتفويض، والسلطة الشخصية هي التي يعبر عنها بالالتزام بين شخصين أحدهما دائن، والآخر مدين. والسلطة الثالثة هي التي نتكلم عنها وهي الحقوق المعنوية، لقد بقيت هذه الحقوق مثار جدل عند علماء الغرب، ربطوها بالناحية الدينية تارة وجعلوها من الأشياء التي لا يباح التعامل فيها، غير أنها بعد مرور الزمن وبعد تراكم الأوضاع التجارية وغيرها وجدوا أن عدم تقويمها ماديًّا يضر بالناس، فقوموها بحسب المنفعة التي تجرها على صاحبها، ومن هنا أصبح تقويمها جائزًا؛ لذا فإن بيع الحق التجاري سواء تعلق بملك أو تعلق بعقد إيجار يكون في نظرنا لا يصطدم مع نص في الشريعة الإسلامية على مختلف أقوال المذاهب حسب ما أعلم في رأيي المتواضع، وإذا كان هناك قول ضعيف، فينبغي للمجمع أن يستخرج النظرية ويقرر بيع هذه الحقوق حتى لا يخرج التجار وحتى لا يخرج المتعاملون في هذا الشيء عن الإسلام، لا أقول عن الإسلام كعقيدة ولكن عن أحكام الإسلام في هذه القضية ويلتجئوا إلى تنظيمها وفق القوانين الغربية ونحن باستطاعتنا أن نستخرج لهم اجتهادًا مرتكزا على عدم تصادم بيعها مع الكتاب والسنة وشكرًا.