للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حق الحرية للإنسان لا يمكن التنازل عنه ويجعل نفسه عبدًا مثلًا، أو إن موجب الحق هو مقتضاه وحينئذ يمكن الانفكاك، طبعًا هذا المعنى يستفاد من الدليل الذي طرح هذا الحق وشرع هذا الحق، نوع الاستفادة يختلف من دليل إلى آخر وعند الشك في القابلية، الأصل هو عدم ترتب الآثار الشرعية، عندما نشك في قابلية هذا المعنى أو قابلية الحق للسقوط وعدمه، أو للنقل والانتقال وعدمه، الأصل هو عدم ترتب الآثار الشرعية للنقل، لأن الحكم يجب أن نتأكد من موضوعه أولًا حتى يترتب الحكم عليه، أما الحقوق العرفية الممضاة، أعتقد أن علينا أن نلاحظ مدى انطباق الأدلة العامة على هذه الحقوق، أدلة {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} { ... تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ} البيع، وما إلى ذلك. مدى انطباق هذه الأدلة على هذه الموضوعات، هنا ينفتح باب للبحث عن قبول الحقوق العوضية، باب واسع باعتبار أنهم عرفوا البيع بأنه عملية تمليك العوضين، كيف يمكن أن يكون الحق عوضًا؟ لا أريد أن أدخل في هذا البحث، رجحت في نهاية بحثي الصلح، خروجًا عن خلاف من خالف وإن كنت أوافق حتى على بيع الحقوق التي تقبل في نفسها هذا البيع، الحقوق المعنوية أمور مقبولة عرفًا أو لا؟ هذا بحث، عندما أقول عرفًا أنا أريد أن أؤكد وشيخنا التميمي كان يقول: العرف عندك سيد الأدلة – أنا لا اعتبر العرف دليلًا مطلقًا – العرف ليس دليلًا أبدًا، العرف يحقق مصداقًا وسوف ندخل في بحث العرف إن شاء الله، يحقق موضوع الدليل، موضوع النص، هو الذي يحقق لي المراد من عملية الإتلاف، إذا فرضنا أن هناك نصًّا يركز على الإتلاف كموضوع للضمان، هو الذي يقول تحقق الإتلاف أم لا، هو يحقق لي الموضوع فقط وليس دليلًا بنفسه قائمًا كما سوف نتحدث عنه إن شاء الله.

فأقول الحقوق المعنوية: هل هي حقوق يقبلها العرف ثم يمضيها الشرع أم هي أصلًا ليست حقوقًا في نظر العرف؟ هناك رأيان، الرأيان متصارعان وبشكل عملي الآن قائم في هذا المعنى، هناك رأي يرى أن الحقوق المعنوية – في الواقع – أمور يرفضها العرف وخلاف الطبيعة العربية، العرف يقوم على التقليد، الحضارة الإنسانية إنما سارت لتقليد الآخرين لأعمال ابتكرها الآخرون. العرف يقوم على التقليد وعلى عدم القول بحقوق من ابتكر شيئًا أو ألف شيئًا وما إلى ذلك، وطبيعة مسيرتنا إذن قائمة، كان الرجل يؤلف كتابًا والآخرون يستنسخون هذا الكتاب دونما استجازة منه بشكل طبيعي.

الرأي الثاني يؤكد أن العرف رغم أنه لم يكن سابقًا قد وافق على مثل هذه الحقائق لكنه اليوم قبل ذلك، وما دام أنه قد قبل فاعتبر هذه الأمور من لواحق الملكية ووسع في السلطنة والملكية إلى لواحقها وتوابعها أن حينئذ يمكننا أن نطبق العموميات الأخرى على هذه الحقوق، والحقيقة رغم أن الدكتور الأستاذ وهبة جعلني من الموافقين على بيع الحقوق المعنوية، أنا وافقت على الصلح على الحقوق عمومًا، الحقوق التي تثبت أنها حقوق والتي تقبل في نفسها ذلك، أما بيع الحقوق المعنوية أو الصلح عليها فقد توقفت في ذلك؛ لوجود هذين الرأيين وأوكلت الأمر احتياطًا إلى الحاكم الشرعي الذي يرى المصلحة، إذا رأى المصلحة ملزمة في هذه الأمور لتنظيم الأمور ولعدم الاعتداء أو لما تقتضيه – طبعًا – طبيعة الإدارة العامة والسير المتوازن للمجتمع، فإذا قرر ذلك فهو في محله، وإلا فقد توقفت حتى في مسألة الضرر، الضرر الذي يدعى هنا ضرر في مقابله، يعني إذا ادعي ضرر المؤلف في تأليفه يدعى ضرر اجتماعي أكبر في احتكار المؤلف لكتابه وفي احتكار المبتكر لما ابتكره، وما إلى ذلك، فحتى قاعدة الضرر لا يمكنها أن تبرر لنا القول بهذا وحينئذ فقد أوكلت هذا المعنى إلى الحاكم الشرعي طبقًا لما يراه من مصلحة بعد الشورى. وشكرًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>