وما ذكره ابن عابدين من أن الرخص والغلاء فيه قولان جاء ما يعارضه، حيث نقل عن مجمع الفتاوى قوله: لو غلت أو رخصت فعليه رد المثل بالاتفاق (ص ٦١) .
وقال: قال الإمام الإسبيجابى في شرح الطحاوي: (وأجمعوا أن الفلوس إذا لم تكسد ولكن غلت قيمتها أو رخصت فعليه مثل ما قبض من العدد)(ص ٦٢) .
وأشار إلى مثل هذا في فتاوى قاضيخان. (انظر ص ٦٠) . وحاول ابن عابدين أن يزيل هذا التعارض فقال:
(فإن قلت) : يشكل على هذا ما ذكر في مجمع الفتاوى من قوله ولو غلت أو رخصت فعليه رد المثل بالاتفاق انتهى (قلت) : لا يشكل لأن أبا يوسف كان يقول أولًا بمقالة الإمام ثم رجع عنها وقال ثانيا: الواجب عليه قيمتها كما نقلناه فيما سبق عن البزازية وصاحب الخلاصة والذخيرة فحكاية الاتفاق بناء على موافقته للإمام أولًا كما لا يخفى والله تعالى أعلم) . (ص ٦١) .
وقال في موضع آخر (ص ٦٣، ٦٤) :
بقي الكلام فيما إذا نقصت قيمتها فهل للمستقرض رد مثلها وكذا المشتري أو قيمتها؟ لا شك أن عند أبي حنيفة يجب رد مثلها، وأما على قولهما فقياس ما ذكروا في الفلوس أنه يجب قيمتها من الذهب يوم القبض عند أبي يوسف ويوم الكساد عند محمد والمحل محتاج إلى التحرير. اهـ (وفي) حمله الدراهم في كلام البحر على التي لم يغلب غشها نظر ظاهر، إذ ليس المراد إلا الغالبة الغش كما قدمناه وصرح به شراح الهداية وغيرهم (والذي) يغلب على الظن ويميل إليه القلب أن الدراهم المغلوبة الغش أو الخالصة إذا غلت أو رخصت لا يفسد البيع قطعا، ولا يجب إلا ما وقع عليه العقد من النوع المذكور فيه، فإنها أثمان عرفا وخلقة، والغش المغلوب كالعدم، ولا يجري في ذلك خلاف أبي يوسف على أنه ذكر بعض الفضلاء أن خلاف أبي يوسف في مسألة ما إذا غلت أو رخصت إنما هو في الفلوس فقط، وأما الدراهم التي غلب غشها فلا خلاف له فيها (وبهذا) يحصل التوفيق بين حكاية الخلاف تارة والإجماع تارة أخرى، وهذا احسن مما قدمناه عن الغزي ويدل عليه عبارتهم بحيث كان الواجب ما وقع عليه العقد في الدراهم التي غلب غشها إجماعا فما في الخلاصة ونحوها أولى، وهذا ما نقله السيد محمد أبو السعود في حاشية منلا مسكين عن شيخه ونص عبارته: قيد بالكساد لأنها لو نقصت قيمتها قبل القبض فالبيع على حاله بالإجماع، ولا يتخير البائع وكذا لو غلت وازدادت ولا يتخير المشتري.