وإن ما يعتذر به البعض لأنفسهم من هذا التشدد، في التحوط لحماية شرع الله – كما يظنون – لا محل له في التطبيق العملي في حياة الناس، وإلا كان موقف هؤلاء يشبه موقف من ينادي بتحريم زراعة العنب، لأن عصير العنب قد يصنع منه الخمر التي حرمها الله. فهل يقبل بذلك التحوط إنسان مسلم وله فهم بمقاصد الشريعة الإسلامية في الحياة؟
إن ما يهم المسلم المؤمن برسالة الإسلام أن يكون العقد الذي يتعامل به وذلك التصرف الذي يقوم به متفقا مع الشريعة وأن يكون مبنيا على وجه فقهي صحيح.
وطالما أن التعاقد وارد على بيع جائز شرعًا وأن شرائط انعقاد العقد صحيحه بالنسبة لذلك البيع، فإن الوعد والتواعد على إبرام العقد الشرعي الصحيح تكون صحيحة في كل عقد يجوز تلك المواعدة.
وما يهمنا في صيغة المرابحة للآمر بالشراء هو توفر الشروط التالية:
١- أن تكون الشيء المراد شراؤه مما يجوز للمسلم أن يتملكه فلا تجوز المواعدة لشراء الخمر أو الخنزير مثلًا.
٢- أن يكون ذلك الشيء موجودًا أو قابلًا لأن يوجد في السوق.
٣- أن يكون قابلًا للتحديد بالوصف المنضبط إذا لم يمكن معيانته بالذات.
٤- أن يكون هناك تفريق بين التواعد والتبايع بحيث لا تتم المبايعة إلا بعد ثبوت التملك لدى البائع بحيث تمر عملية الامتلاك بذمته ليكون التمليك صادرًا ممن يملك أولًا ولكي يكون هناك مجال للقول بالضمان إذا تبين أن هناك تلفًا أو عيبًا خفيًّا أو غير ذلك من أسباب الضمان.
وليس يهمنا التقيد بالشكل عند من يربطون التملك بالحيازة المادية لأن ذلك ليس شرطًا من شرائط انعقاد العقود الشريعة حيث يكون التسليم أثرًا من آثار الانعقاد وليس ركنًا فيه.
فقد يشتري الإنسان الشيء ويبقيه عند البائع كوديعة. حيث تنقلب يد البائع الأول من يد ملك إلى يد أمانة، فإذا باع هذا الإنسان ما اشتراه بعد أن يصبح معينًا إلى شخص آخر فإنه يبيع مما يملك ويقع عليه ضمانه حتى يتسلمه المشتري الأخير سليمًا خاليًا من العيوب الموجبة لرد البيع.
وهذا هو الوجه الفقهي الذي نراه لتخريج صيغة بيع بالمرابحة للآمر بالشراء في حدود الفهم الذي تيسر لنا اغترافه من بحر الشريعة الصالحة لكل زمان ومكان.
فما هي وجوه الاعتراض على هذه الصيغة التي كانت العمود الفقري لنجاح العمل المصرفي الإسلامي في التطبيق المعاصر؟