للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأقول وبالله التوفيق: اختلف الفقهاء في الوعد هل يجب الوفاء به شرعا أم لا؟ وذلك على ثلاثة مذاهب.

المذهب الأول: ذهب فريق من العلماء إلى أن الوفاء بالوعد مستحب مندوب إليه وليس بفرض. فلا يقضى به على الواعد، لكن الإخلال بالوعد يفوت الواعد الفضل، ويرتكب بسبب خلفه هذا المكروه، هذا ما ذهب إليه أبو حنيفة والشافعي وأبو سليمان (١) ، وقد استدل أصحاب هذا الرأي بما يلي:

أولًا: أخرج الإمام مالك رحمه الله في الموطأ ((أنه قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أكذب لامرأتي فقال صلى الله عليه وسلم: لا خير في الكذب، فقال يا رسول الله: أفأعدها وأقول لها؟ فقال عليه السلام: لا جناح عليك)) (٢) .

وجه الاستدلال من الرواية كما يذكر القرافي (٣) .

أ- إن الرسول عليه الصلاة والسلام منع السائل من الكذب المتعلق بالمستقبل ونفى الجناح على الوعد.

ب- إن إخلاف الوعد لا يسمى كذبا، لأنه عليه الصلاة والسلام قد جعله قسيم الكذب، ولو كان منه، لما جعله قسيما له.

ج- كما يستدل من الرواية على أن إخلاف الوعد لا حرج فيه.

د- " لو كان المقصود الوعد الذي يفي به لما احتاج للسؤال عنه ولما ذكره مقرونا بالكذب " فتبين بأن قصد السائل بإصلاح حال امرأته بما لا يفعله، فتخيل الحرج في ذلك فاستأذن عليه.


(١) انظر المحلى لابن حزم الظاهري ٢٨/٨ وقد نص على ما يلي: " ومن وعد آخر بأن يعطيه مالا معينا أو غير معين أو بأن يعينه في عمل ما حلف له على ذلك أو لم يحلف لم يلزمه الوفاء به ويكره له ذلك، وكان الأفضل لو وفى.. وهو قول أبي حنيفة والشافعي وأبي سليمان ".
(٢) انظر شرح الزرقاني على الموطأ ٤٠٨/٤
(٣) انظر الفروق لشهاب الدين أبي العباس الصنهاجي المشهور بالقرافي طبع دار المعرفة ٢١/٤

<<  <  ج: ص:  >  >>