وقد رددت في كتابى الأول والثانى على هذه الشبهات بما فيه الكفاية، وأوضحت ضرورة التمييز بين نظام التأمين في ذاته إذا خلا عقده من شروط منافية لقواعد الشريعة في التعاقد، وبين ما يشترط في عقوده التطبيقية من شروط غير مقبولة شرعا، ربوية أو سواها. فحينئذ نحكم بتحريم ذلك العقد بخصوصه، لا بتحريم نظام التأمين كليًا. وذلك كالبيع الذي أحله الله تعالى نظاما لتبادل الأموال وفاء لحاجة الناس، فإذا تضمن بعض عقوده التطبيقية شرطا ربويًا فإننا نحكم بحرمة هذا العقد لا بحرمة نظام البيع كليًا، وتبادل الأموال بوجه عام.
أما التمييز بين تأمين تعاونى يباح، وتأمين تجاري يحرم، فقد أوضحت خطأه في مخالفتى لقرار المجمع الفقهى بمكة المكرمة الذي ذهب إلى هذا التمييز، ومخالفتى هذه المشار إليها مثبتة بنصها مع قرار المجمع المؤقر، ومنشورة في كتابى الجديد المشار إليه الصفحات/١٥١_١٥٣.
وأما شبهة الغرر- وهى الشبهة الوحيدة الجديرة بالوقوف عندها للنظر والتمحيص فقد بين لى، بحمد الله تعالى، أنها شبهة داحضة لا ناهضة، وأوضحت في عقد التأمين تخريجًا فقهيًا وتكييفًا ينفيان وجود الغرر فيه. ثم عرضت آراء المذاهب الفقهية في الغرر، بما يكفئ لإقناع من همه البحث عن الحقيقة العلمية بتجرد، أنه لا ينبغى أن يكون للغرر المزعوم في عقد التأمين تأثير مانع على فرض وجود غرر فيه. (ينظر تفصيل ذلك في كتابى الجديد تحت كلمة (غرر) في حرف الغين من الفهرس الهجائى، في المواطن المحال عليها فيه) .
هذا، وقد بدا لى أن كتابة بحث الآن عن التأمين، وبيان وجهة نظرى فيه بعد صدور كتابى الجديد المذكور، لن يكون سوى تكرار لبعض ما استوفيته فيه، أو اختصار تغيب فيه قوة الحجة ونصاعتها، ولن يغنى عن الرجوع إلى الكتاب لاستيعاب التفصيل حول كل نقطة من نقاط الموضوع ليتسنى تكوين فتوى نيرة صادرة عن بصيرة.